معركة الكاستيلو الثانية بقلم : محمد بلوط

معركة الكاستيلو الثانية بقلم : محمد بلوط

تحليل وآراء

السبت، ١٧ سبتمبر ٢٠١٦

معركة «الكاستيلو» الحلبية الثانية بدأت. المعبر الاستراتيجي نحو عقدة الصراع في سوريا، يشهد كرا وفرا أمميًّا وسوريًّا، حول حق دمشق «السيادي» بتفتيش كل القوافل التي تدخل المدينة. الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا رد على المطالب السورية في مؤتمره الصحافي في جنيف أمس بـ «الوضع الخاص» لحلب الشرقية، في اتفاق الراعيَين الروسي والأميركي الذي لم يتبلغ به ولا بتفاصيله.

وقد يكون هدف معركة الكاستيلو الثانية تقليص قدرة الحكومة السورية على التدخل إلى أدنى حد ممكن في «شؤونها الحلبية»، وتنفيس الانتصار العسكري السوري في فرض الطوق على الجزء الشرقي من المدينة بعد أربعة أعوام من القتال. المشهد يثير غضب مؤيدي دمشق الذين يتخوفون من تكرار تجربة «هدنة شباط» المريرة التي استغلتها الولايات المتحدة وشركاؤها لإعادة تسليح المجموعات الإرهابية.

ورغم ابتعاد الجيش السوري عن الطريق الإستراتيجي ٥٠٠ متر جنوبا، و٣٥٠٠ متر شمالا، وإفساح المجال لوحدات روسية للحلول محل وحداته، واكتفائه برصد الطريق، إلا أن التفاهم الروسي الأميركي تعرض لاختبار جدي للمرة الأولى بعد استتباب الهدنة، من دون أن يعني ذلك تهديدا حقيقيا لتنفيذه، وذلك بعد اقتراب أربعين شاحنة قادمة من مرفأ مرسين التركي، ناقلة ما يكفي لتغذية ٨٠ ألف شخص، من بين ٢٥٠ ألفا بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.

وتبدو إحصاءات الأمم المتحدة إحدى النقاط الخلافية التي لم تتم إثارتها رسميا حتى الآن، إذ إن رقم الـ٢٥٠ ألف محاصر في حلب الشرقية، لا يتطابق مع ما تقوله مصادر غرفة العمليات العسكرية في حلب والتي تتحدث عن رقم ١٣٧ ألف محاصر، من بينهم ١٥ ألف مسلح. وتستند غرفة العمليات إلى أرقام جمعيات الإغاثة الأهلية التي تعمل في حلب. كما أن تجربة قوافل الإغاثة الأممية وإحصاءاتها في داريا، تجعل من مصداقيتها موضع تساؤل، إذ إنها كانت ترسل قوافل إلى المدينة قبل أن يدخلها الجيش السوري، لأربعة آلاف محاصر، ليتبين لدى انسحابهم، أن العدد الحقيقي هو ١١٠٠ مسلح و٧٥٠ مدنيا.

ومع ذلك، يبدو ضروريا للحليف الروسي تجاوز السجال في مرحلة القوافل الغذائية إلى حلب الشرقية، من أجل تنفيذ الصفقة التي عقدت مع الأميركيين التي سيكون ثمنها الحصول على رأس «جبهة النصرة»، إذ يتضمن الاتفاق، في حال تنفيذه، إشراك الأميركيين في ضرب «النصرة»، القوة العسكرية الرئيسية للمجموعات المسلحة التي تشكل ثلث هذه المجموعات، وإزالة العقبة الأساسية أمام الدخول في العملية السياسية في سوريا، فيما لا يزال الشق السياسي من الاتفاق الروسي الأميركي، إن وُجِد، موضع تساؤل.

وتبدو تصريحات دي ميستورا محاولات بديلة تحت أعلام الأمم المتحدة، والتفاهم الروسي الأميركي لتخفيف الحصار عن شرق المدينة، بعد أن أخفقت المعارضة المسلحة في فك طوق الجيش السوري عن شرق المدينة في معارك الراموسة. الوسيط الدولي الذي رفضت دمشق على الدوام في الأشهر الأخيرة منحه فرصة انتزاع صورة في الغوطة الدمشقية، أمام قوافل الإمداد الغذائي، عندما امتنعت عن قبول طلبه بزيارتها، فتح النار على الحكومة السورية، واعتبر أن دورها في إمداد حلب يقتصر على إعطاء التصريح الضروري لعبور الأراضي السورية من الحدود التركية، من دون أن يكون لها الحق بتفتيش القوافل، إلا ما كُسرت أختامه على ما نص عليه برتوكول القوافل الغذائية إلى حلب.

دي ميستورا جعل من «الآليات الأممية لتوزيع المساعدات» الحكم في قيادة قوافل الغذاء الى حلب في غياب نص واضح في الاتفاق الروسي الأميركي بهذا الشأن، على ان تكتفي «السلطات السورية بتقارير الامم المتحدة عن محتوى القوافل، ووجهة توزيعها».

الثغرة التي لم يعالجها الاتفاق، الذي طلب وزير الخارجية الاميركي جون كيري إبقاءه سريا، فيما لم يمانع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نشره، يحاول الروس المسارعة الى معالجتها في ظل احتجاجات دمشق واصرارها على تفتيش القوافل خوفا من وجود اسلحة او متفجرات فيها. والارجح ان اعادة تسليح حلب الشرقية، يمكن تأمينه ايضا من خلال المعابر التركية السورية المفتوحة، والتحام الجيش التركي مباشرة مع المجموعات الحلبية في ريف المدينة الشمالي، بعد دخوله الى جرابلس، دونما حاجة للمعابر نفسها.

وهكذا قال فيتالي تشوركين، مندوب روسيا في الامم المتحدة، ان الاتفاق، الذي لم يقرأه احد سوى الاميركيين والروس، ينص على تفتيش القوافل. وأعاد الروس أمس خلال اجتماع مجموعة العمل الدولية لسوريا في جنيف، تكرار نص الاتفاق على حق السوريين والروس بتفتيش القوافل. واقترح الروس، نظرا لحساسية المجموعات المعتدلة تجاه ذلك، ان يقوم بعمليات التفتيش، طرف ثالث تثق به موسكو ودمشق. وتقول مصادر لـ «السفير» انه خلال الاجتماعات الامنية السورية التركية الروسية في موسكو، مطلع الاسبوع الماضي، جرى استباق الخلافات على عمليات التفتيش، وان المجتمعين طرحوا الاستعانة بوحدات عسكرية عربية، تقبل بها دمشق، للاشراف على طريق الكاستيلو، ومراقبة ٣ حواجز تفضي الى المدينة. وبحسب المعلومات، لا يزال الاقتراح قيد الدرس.