الإتفاق الروسي الأميركي، هدنة أم خدعة؟؟

الإتفاق الروسي الأميركي، هدنة أم خدعة؟؟

تحليل وآراء

الأحد، ١١ سبتمبر ٢٠١٦

عمر معربوني - بيروت برس -
تزامنًا مع الإعلان عن توصل روسيا وأميركا الى إتفاق في حدوده الدنيا حول سوريا، أطلقت الجماعات المسلّحة في الجولان معركة "قادسية الجنوب"، وهو أمر أشرنا إليه في مقالات سابقة واعتبرناه حاجة اميركية - صهيونية للضغط على الدولة السورية وحلفائها.
"قادسية الجنوب" بقيادة جبهة النصرة اعلنت عبر اصدار اعلامي ان هدف المعركة هو فك الحصار عن مسلحي الغوطة الغربية المتواجدين في خان الشيح ودروشة والدرخبية، وهذا يعني ان السيطرة على مناطق في القنيطرة تسيطر عليها وحدات الجيش السوري ستكون ضرورية لتنفيذ هدف هذه المعركة المعلنة، اي الوصول الى مناطق خان الشيح ودروشة والدرخبية، ودون ذلك برأيي مصاعب كبيرة امام هذه الجماعات بحكم تواجد مواقع هامة للجيش السوري في منطقة القنيطرة. وعليه، فإنّ الهدف الرئيسي من اطلاق هذه المعركة هو الضغط على الدولة السورية وحلفائها وعلى رأسهم الحليف الروسي الذي يفاوض منذ فترة الأميركيين في مفاوضات تشبه الى حد بعيد الصراع على حافة الهاوية حيث الكثير من التعقيدات والتحولات.
في نظرة سريعة الى ما تم تسريبه من الإتفاق الذي لا تزال بنوده طي الكتمان إلّا في حدوده المعلنة، بحسب ما جاء في المؤتمر الصحفي لوزيري خارجية اميركا وروسيا والذي لم يصل ولن يصل برأيي الى مرحلة التنفيذ، ولن يعدو كونه هدنة على شاكلة الهدن السابقة التي ساعدت الجماعات المسلحة في استعادة قوتها والتقاط انفاسها، حيث استطاعت هذه الجماعات بعد هدنة شباط السابقة ان تحصل على اكثر من 7000 آلاف طن من الأسلحة النوعية من بينها اكثر من 900 صاروخ فاغوت المضاد للدروع، وهي صفقة تولت اميركا بنفسها الإشراف عليها والإعلان عنها وهي اسلحة ساعدت الجماعات المسلحة في استعادة تل العيس والعيس وخان طومان ومكنتها من خوض معركة الكليات في حلب.
والسؤال الذي يطرح نفسه بشدّة: هل يمكن لروسيا ان تقع في الفخ كل مرة؟ وهو سؤال مشروع ويحق للسوريين بشكل رئيسي طرحه ولحلفائهم الذين يخوضون معهم المعركة ايضًا، ولا يمكن لأحد تجاهله خصوصًا ان الإتفاق الجديد لا يملك آليات تنفيذية واضحة باستثناء أنه يحد من قدرات سلاح الجو السوري ومنعه من تنفيذ عمليات في مناطق الضربات المشتركة بين روسيا واميركا، اضافة الى ما يُشاع عن الوصول الى منطقة منزوعة السلاح في محيط طريق الكاستيلو لإدخال المساعدات الإنسانية الى احياء شرقي حلب التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة.
مسألة اخرى ترتبط بفاعلية الوحدات العسكرية للجيش السوري وهي ضرورة ابلاغ الجيش السوري لغرفة العمليات المشتركة الروسية - الأميركية بأي تدبير عسكري حتى لو كان دفاعيًا، وهي بنود مسربة طبعًا ولا يمكن التأكد من تفاصيلها بشكل قاطع حتى البدء بتنفيذ مضمون الإتفاق.
سؤال آخر لا بد من طرحه وهو كيف سيتم ضبط حدود السيطرة الجديدة لفصائل "الجيش السوري الحر"، وهي حدود اصبحت اكثر اتساعًا وباتت تمتد من جرابلس الى أعزاز مرورًا بالراعي، ما يعني وجود مصاعب حقيقية في مراقبة الحدود وما يدخل عبرها وهو امر لم يأتِ الإتفاق على ذكره لا من قريب ولا من بعيد.
روسيا التي اكدت ان الدولة السورية ستلتزم مضمون الإتفاق لم تحصل في المقابل على ضمانات اميركية حول قدرة اميركا على إلزام ما تسميه "المعارضة المعتدلة"، باستثناء أنّ اميركا التزمت بوضع خارطة مشتركة مع الروس لنقاط تواجد جبهة النصرة واستهدافها من خلال تنسيق مشترك مع الروس.
انه الإتفاق الذي نعرف حاجة اميركا اليه ولا نعرف بالضبط حاجة روسيا فيه، وهو امر ربما يندرج ضمن الدهاء الروسي خصوصًا ان اميركا التي تتعاطى مع سوريا على انها ملف من الملفات الصراعية الشاملة مع الروس وليس باعتبارها قضية قائمة بحد ذاتها ربما تكون المعادلة التي تلزم روسيا على الوصول الى تفاهمات الحد الأدنى.
المهم في كل هذا الإتفاق انه سيكون تجريبيًا ومتدرجًا ضمن مرحلة لا تتجاوز الأسبوع، وهنا يبرز سؤال أخير لا بد منه وهو: اذا كانت جبهة النصرة هي التي تقود معركة "قادسية الجنوب" في الجولان، فهل سيتم استهدافها وهي المدعومة علنًا بدعم ناري ولوجستي صهيوني أم سيتم التغاضي عن الأمر؟
السؤال الأخير برأيي هو المفصل الذي سيحدد جدية هذا الإتفاق الذي لن يكتب له النجاح ولا يعدو كونه تمريرًا للوقت بحسب الرغبة الأميركية، ولا ندري ماذا يعني وما هو هدفه بالنسبة للروس وفي هذه المرحلة شديدة التعقيد، وهذا ما سننتظر نتائجه في الأيام القادمة وعسى ان يكون الحلفاء الروس اكثر حذرًا وفطنة هذه المرة فلا يُلدغون ونُلدغ من هدنة مرات ومرات.