في المنتصف عقائد مضحكة.. وسورية في البدء والخاتمة

في المنتصف عقائد مضحكة.. وسورية في البدء والخاتمة

تحليل وآراء

الأربعاء، ٧ سبتمبر ٢٠١٦

إيهاب زكي - بيروت برس -
حالة من التفجع تسود إعلام النفط أمام أي استهداف سوري للبؤر الإرهابية، فيما على العكس تمامًا، فهو يقوم بممارسة حالات التشفي حين يتم استهداف المدنيين والأبرياء السوريين على أيدي الإرهاب، وهذا مثالٌ على هاوية الأخلاق، لا مشارب الاختلاف أو الاصطفاف، والأمثلة في ذلك الإعلام لا تكاد تُحصى. وعلى سبيل المرور بتلك الهاوية، يقول الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد "أن المقاتلين الأجانب في سوريا الذين يقاتلون إلى جانب المعارضة لا يتعدون الخمسة آلاف"، ويقول السعودي تركي الدخيل إنّ "إيران زوَّرت هوية سفيرٍ لها ضمن الحجيج"، وهذا الكذب يشبه كذبة إقامة الرئيس الأسد في بارجة روسية، وتفنيده على سخافته متعسرٌ متعذر، فهو يتطلب أن يقوم مليار مسلم بتفتيش كل السفن الروسية الحربية والمدنية في وقت واحد، حتى لا يتسنى للروس نقله من سفينة إلى أخرى، ولكنه بكل الأحوال أيسر من الإجابة على سؤال الدخيل في مقدمة مقاله "هل يمكن أن نتخيل خدمات الحجيج والعناية بالحرمين لو لم تكن السعودية موجودة"، وهذا يعني أنه وأخيرًا ومنذ أن رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت، أرسل الله للناس من يعتني ببيته وبهم.

هذه الفوقية المتدنية والمتأخرة التي يمتاز بها آكلو السحت والنفط ليست منقطعة الجذور، وإن كانت كنبتٍ شيطانيٍ تُجتث وما لها من قرار، وهي نفس الجذور التي تدفع لحالات التفجع والتشفي آنفة الذكر، فإنّ المتأسلمين عمومًا يُأيقنون سيد قطب وأفكاره، حتى لو أن منهم لم يقرأوه، لكنه راسخٌ في أذهانهم وعلى اختلاف مشاربهم، إخوان وسلفية علمية وسلفية جهادية، حيث أنه يعتبر أنّ "جنسية المسلم عقيدته"، والمسلم في المفهوم القطبي هو العرق النقي، والذي يجب عليه عدم الاختلاط بأعراق الكافرين. والكافرون هنا هم المجتمع باستثنائهم، وبطبيعة الحال فالمسلم يفجعه قتل مثله ويشفيه قتل أعدائه، كما أن فوقيته مبررة بحكم نقائه "العرقي" الأيدلوجي. فوهابية الدخيل تتقاطع مع إخوانية سيد قطب، والمفارقة أن الدخيل يتعامل مع نفسه ويعامله المجتمع السعودي باعتباره ليبراليًا، ولكن في خدمة "إسرائيل" ومواجهة إيران فكلنا سلفية جهادية ووهابية صحراوية، وهذا على عكس ما يقول الدكتور مصطفى محمود من أن "الحقائق في ذروة تناقضها دائمًا تبدو مضحكة"، فالنفط قادر على أن يجعل من كل ما هو متناقض حد الضحك عقيدة.

لم أكن أنوي مواصلة السرد عما يفكر النفط ويقول النفطيون، ولكن يبدو أنه ورغم طول سنين من معايشة اللعنات النفطية لم نُصَب بالتبلد بعد، وما زال فينا ما يُستفَز على المستوى العقلي والنفسي، وهذا دليل صحة وعافية. لذلك وعلى سبيل المواصلة، فإنّ النفط ما زال ومنذ تراجع أوباما عن خطوطه الحمراء إبان كيماوي الغوطة، يمارس التفجع على ما اعترى أوباما من ضعف وتردد، وأنه تخلى عن "الثورة والثوار"، وهي "الثورة" التي شعارها التكبير بالإضافة لشعارات ديكورية جانبية كالحرية والديمقراطية، وهي "ثورة" في الوقت الذي تمارس فيه تفجعها هذا حد شتم أوباما، تتشبث بأطراف ثوبه حتى لا يتركها لقيطة بلا أب. وهنا تنطبق مقولة الدكتور مصطفى محمود عن الحقائق المتناقضة حد الضحك ولا تتعاكس، وهؤلاء في الغالب يُرجعون قوة بوتين إلى ضعف أوباما، فهم لا يريدون أن يصدقوا أنّ إلهًا عبدوه كان مجرد عجلٍ له خوار، وأن أوباما ليس رئيسًا ضعيفًا، بينما دولته بدأ يعتريها الوهن كإمبراطورية، فلم تعد قادرة على القيام بمهام إمبراطورية وإن لا زالت هي القوة الأولى عالميًا، والإهانات التي تلقاها أوباما في الصين لم تكن لتحدث مع رئيس أمريكي قبل عقدٍ من الزمن أو حتى نصف عقد، والفضل يعود للصمود السوري، وإن كان البعض سيعتبر أن هذا الاستنتاج موغلٌ في النرجسية، فليضع تصورًا لنجاح المخطط الأمريكي في سوريا كبداية لشرق أوسط جديد.

بعد انتهاء لقاء القمة بين بوتين وأوباما، عبّر أوباما عن تشاؤمه من إمكانية قرب التوصل لحلول في سوريا، وذلك لعدم وجود ثقة كافية بالشريك الروسي، فيما عبّر بوتين عن تفاؤله بما لمس من جدية لدى أوباما في محاربة الإرهاب. إن هذا التناقض يبدو كأنه لوحة متناسقة، ولا تحتاج لعين ناقد لقراءتها، فقد تيقن أوباما أنه غير قادر على صناعة انتصار يختم به عهدته، كما أنه غير قادر على فرض وقائع سياسية لا تتناسب مع موازين الميدان تحت سطوة الهيبة الإمبراطورية، هذا في الوقت الذي لا يفكر ولا يريد ولا يستطيع في وقت رحيله التلويح بالقوة العسكرية المباشرة، بينما بوتين وهو باقٍ ليس من الحصافة أن يعطي أوباما المغادر عن يدٍ صاغرة، بينما باستطاعته في الوقت المتبقي كسب أوراق قوةٍ جديدة، وإن كان هناك من تسويات أو حروب، فالأفضل تأجيلها للرئيس الجديد، وهذا ما يفسر موقف كلٍ منهما. وكما يتساءل الدكتور عبدالإله بلقزيز "في الزمن الجديد الذي لم تعد فيه أمريكا قادرة على أن تسرح وتمرح في العالم كله دون قيود، والزمن الذي تحسب فيه حساب الكبار في النظام الدولي كروسيا والصين، عمَّ يراهن المراهنون"، والحقيقة أنه لا خيار أمامهم إلا الرهان على أن تكون كلينتون سيدٌ جيد، لذلك فإنّ الاستنزاف الذي يمارسونه في سوريا وكل الساحات، هو الوجه الآخر للتصبر انتظارًا لرحيل أوباما، أما نحن فلا نراهن إلا على قدرة الجيش السوري وحلفائه لطحن عظام كل المتربصين والمتصبرين.