درع الفرات أم درع عثمان؟!.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

درع الفرات أم درع عثمان؟!.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٧ سبتمبر ٢٠١٦

من شأن كل يوم يمرّ على الغزو التركي للشمال السوري أن يؤدي إلى تكشف المزيد من المرامي التركية المضمرة التي لن تستطيع أنقرة أن تبقيها طويلاً طي الكتمان، فالصب تفضحه صبابته التي تتبدى واضحة في عيونه من دون أن يكون ذلك الفعل إرادياً واختيارياً.
بين آذار 2011 وآب 2016 مرّ الدور التركي في الأزمة السورية بالعديد من المرتفعات والعديد من الوديان أيضاً بمعنى أنه تناوب في التنامي والاضمحلال تبعاً للمتغيرات التي كانت السمة الأبرز لتلك الأزمة، وفي كثير من الأحيان كان الحدث ونقيضه حاضرين في مراحل زمنية متفاوتة من دون أن يعني هذا الأخير بالضرورة تباعداً كبيراً بين المرحلة الزمنية للأول والأخير.
كانت الآمال والمطالب التركية تتبع بالضرورة لتلك المتغيرات، فأنقرة بدأت منذ احتدام الأزمة ودخولها الطور المسلح بسقوف عالية كان الظاهر منها لا يخفي المضمر الذي تمثل في مطامع جغرافية، ولم تلبث هذه الأخبار أن تلاشت مع الانعطافة التي أوجدتها عاصفة السوخوي 30/9/2015 لتتلاشى معها أيضاً مطالب كانت أساسية مثل رحيل الرئيس الأسد عن السلطة في دمشق على الرغم من التداعيات البالغة الخطورة لأمر من هذا النوع إذا حدث.
لم تعلن أنقرة عن الهدف السياسي لعملية (درع الفرات) الأمر الذي أكسبها مزيداً من الغموض إذ لطالما كان ذلك الأمر- فيما لو حصل- كفيلاً بتحديد الإطار الجغرافي والزمني للعملية مما يمكن من التعاطي معها بالنسبة لمختلف الأطراف بما تستوجبه تلك المعطيات التي سيفرضها ذلك الإعلان، إلا أنه من الممكن رصد ثلاثة أهداف هي الأهم تطمح أنقرة إلى تحقيقها من وراء تلك العملية، أولها: ضرب المشروع الانفصالي الكردي، وفي هذا السياق يتم العمل أيضاً على عزل التأثيرات المتداخلة للملف الكردي السوري على الملف الكردي التركي، وثانيها: هو تثقيل الدور والحجم التركيين بانتظار البدء في أي مفاوضات محتملة لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، أما ثالثها: فهو العمل على استبدال الكانتونات الكردية في الشمال السوري بكانتونات تركية انطلاقاً من الاعتماد على فصائل ترتبط قومياً بتركيا مثل المجلس الوطني التركماني أو الحزب الإسلامي التركستاني إضافة إلى فصائل عديدة أخرى مثل نور الدين الزنكي أو لواء السلطان مراد الرابع.. الخ، وعليه فإن الخطوة التالية في عملية درع الفرات قياساً إلى مروحة الأهداف السابقة الذكر ستكون محاولة السيطرة على تل أبيض لفصل القامشلي عن عين العرب بعد تمكن الأتراك من فصل هذه الأخيرة (عين العرب) عن عفرين عبر السيطرة على مدينة جرابلس ومحيطها بمساعدة فصائل من الجيش الحر الذي أثبت أنه فصيل رديف للجيش التركي وهو أمر يمكن تلمسه عبر الإعلان الذي بثته وكالة الأناضول التركية 31/8/2016 الذي نسبته إلى عشائر عربية قالت إنها عمدت إلى تأسيس (سرايا القادسية) التي ستكون المهام المنوطة بها تتمثل في استعادة السيطرة على تل أبيض من أيدي الوحدات الكردية التي كانت قد سيطرت عليها صيف العام 2014.
أما الآليات التي تعمد أنقرة إلى تحقيق أهدافها عبرها فهي مستحدثة وتتطلب جهداً ووقتاً طويلين ومع ذلك نراها توسع الخطوات فيها وهي تتمثل في استبدال الأولويات التي خلصت إليها القوى الإقليمية والدولية في سورية بضرورة توحيد الجهود للقضاء على داعش وأفراخها، والتحول إلى ضرورة أن تكون تلك الأولويات بحجم الطموحات الكردية الانفصالية والدفع بقوى إقليمية أو دولية فاعلة إلى تصنيف الفصائل المسلحة الكردية على اختلاف مشاربها كتنظيمات إرهابية على لوائحها باستخدام وسائل عدة كالمقايضة أو الإغراءات النفعية وصولاً إلى استهداف المصالح. توحي السلوكيات التي يقوم بها الجيش التركي في المناطق التي يسيطر عليها بأنه ذاهب إلى إكساب عمليته صفة الديمومة والاستمرار، فقد أشارت تقارير إلى أن وحدات ذلك الجيش تعمل على بناء قاعدة عسكرية في جرابلس بعد أقل من أسبوعين من السيطرة عليها، وهو أمر إذا ما صدقت فيه تلك التقارير فسيكون من الصعب إزالته بواسطة المفاوضات، وما يؤكد هذه الفرضية هو ما فعلته أنقرة التي أصرت على الإبقاء على قاعدة بعشيقه بالقرب من الموصل على الرغم من الضغوط الدولية والنداءات الأممية بضرورة سحب القوات التركية إلى ما وراء الحدود العراقية.
تضع أنقرة في حساباتها الآن ضرورة العمل على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب بأسرع وقت ممكن، وقبيل أن تتحول حالة التململ التي بدأت في كل من موسكو وطهران إلى تراجم معيقة للعملية العسكرية التركية وقبيل أن تتحول حالة الاستياء الأميركية أيضاً إلى حالة ضاغطة وهي الناجمة عن انزعاج أميركي من محاولات أنقرة في الإبقاء على المسافة الفاصلة بينها وبين كل من المحور الروسي- الإيراني والمحور الأميركي- السعودي في هذه المرحلة مسافة واحدة في محاولة لخلق مناخ دولي مناسب لاستمرار العملية العسكرية التركية تمهيداً لوصولها إلى أهدافها المرجوة منها. أعطت الأحداث التي افتعلها الأكراد في مدينة الحسكة 17-18/8/2016 هدية كبرى على طبق من ذهب لرجب طيب أردوغان الذي كان ينتظر المدد من السماء لحصول تطور يمكن أن يؤدي إلى انتعاش الدور التركي وما يمكن أن يصحح تلك الخطيئة الكردية القاتلة هو التخلي عن الرهان على دور أميركي إيجابي وفك الوثاق الذي ربط العديد من التنظيمات السياسية والعسكرية الكردية نفسها به مع حبائل واشنطن، ولسوف يكون رهاناً سياسياً ساذجاً الاستمرار في الاعتقاد أن واشنطن إذا ما خُيرت بين الإيرانيين والعراقيين والأتراك والسوريين من جهة وبين الأكراد من جهة أخرى فإنها ستختار هؤلاء الأخيرين، هذه الرهانات والرؤى السياسية التي تبني عليها من شأنها أن تزيد من تعقيدات الأزمة السورية البالغة التعقيد أصلاً وتزيد أيضاً من حجم الآلام وكمية الدماء المراقة وصولاً إلى إطالة أمد الأزمة التي تقول مؤشرات عديدة إنها قد تكون في هذه المرحلة أمام فرصة سانحة للدخول في تسوية سياسية تفضي إلى حقن الدماء السورية الطاهرة.