نضجت كروم العاشوري في حلب.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

نضجت كروم العاشوري في حلب.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ أغسطس ٢٠١٦

اليوم وبعد مضي ما يزيد على الشهرين من الحديث الذي تناقله الكثير من وسائل الإعلام عن التفاهمات الروسية- الأميركية تشير الوقائع إلى أن عدداً مهماً من المسائل العالقة في تلك التفاهمات قد جرى تجاوزها مؤخراً، وفي الذروة منها التوصل إلى رؤية مشتركة حول فتح الشام (النصرة سابقاً) تتضمن موافقة واشنطن على رفع الغطاء عنها تمهيداً لاستهدافها، ولربما كان الأمر الحاسم في ذهاب واشنطن نحو ما ذهبت إليه ناجم عن متابعة أميركية دقيقة لتطورات الأحداث في معسكرات النصرة واجتماعات قيادييها خصوصاً ما بعد الإعلان عن فك الارتباط عن القاعدة 28/7/2016، ففي ظل وجود خطاب رسمي لدى النصرة كان يمثله أبو عمار الشامي وأبو سليمان الأسترالي ويهدف إلى إرسال رسائل التطمين إلى واشنطن بعدم وجود نيات لدى التنظيم لاستهدافها، كان هناك بالتزامن مع ذلك الخطاب حملة تحريض قصوى تسري في معسكرات النصرة كما النار في الهشيم وهي تستعيد خطابات القاعدة عن «رأس الأفعى الأميركية» أيضاً تقول تسريبات: إن كتاباً كان قد جرى توزيعه مؤخراً في أوساط مقاتلي النصرة بعنوان «الابتكار الفنان في استهداف الأميركان» للجهادي أبي عبد الكريم المغربي، ومن المؤكد أن واشنطن لم تنظر إلى تلك الحملة الأخيرة على أنها محاولة من قيادات التنظيم لاحتواء تيار متشدد يهدد لقلب معادلات هذا الأخير أو يهدد بفك عراه في حال إعلان قيادات وازنة لانشقاقها كما فعل القائد العسكري العام أبو همام الشامي الذي غادر منصبه (تم الإعلان عن ذلك 20/8/2016) بعد رفضه لقرار التنظيم فك ارتباطه بالقاعدة وفي سياق تلك التفاهمات تبدو واشنطن راضية عن استهداف جيش الفتح الذي بات عمقه حالياً في ريف حلب الجنوبي بعدما تأكد لها أن ذلك الجيش يسعى منفرداً إلى إحكام سيطرته على حلب وإقصاء الفصائل العسكرية الأخرى، وهو أمر- فيما لو حصل- فإنه سيؤدي إلى حرمان واشنطن من أذرعها العسكرية وبالتالي من قدرتها في التأثير على مجريات المعارك لمصلحة قوى إقليمية أخرى وهو ما بدأ العمل عليه عملياً منذ آذار 2015 الذي شهد تحالفاً تركياً سعودياً أثمر عن ولادة جيش الفتح 24/3/2015 الذي تمكن من السيطرة على إدلب 28/3/2015.
هذه الترجيحات لها ما يدعمها في التصريحات الروسية، فقد أعلنت موسكو يوم 15/8/2016 عن اقتراب القيام بعمل مشترك مع واشنطن ضد الإرهاب، وما يدعمها ميدانياً أيضاً، فقد شهد الأسبوع المنصرم تطوراً عسكرياً نوعياً عندما أقلعت طائرات (تو 22) يوم 15/8/2016 من قاعدة همدان الإيرانية لتقوم بقصف مواقع للفصائل المتشددة في حلب وإدلب وريفهما.
في اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي جرى في 16/8/2016 قال الرئيس الروسي: إن الجيش السوري يتقدم في حلب بالسرعة المطلوبة ثم أوكل لوزير دفاعه سيرغي شويغو أمر المساعدة في إغلاق ثغرة حلب (الراموسة) قبل نهاية شهر آب الجاري قبل أن يطلق هذا الأخير مهلة إضافية مدتها 15 يوماً تنتهي في الخامس عشر من أيلول المقبل لكي تأخذ العملية الأبعاد التي تضمن لها النجاح تماماً وهو ما تراهن عليه (موسكو) بأنه سيكون كفيلاً بفتح الطريق نحو مفاوضات جنيف التي من المقرر لها أن تنطلق في الأسبوع الأول من أيلول المقبل وإن كان تحديد العملية الروسية حتى منتصف هذا الشهر الأخير قد يدفع نحو تمديد موعد بدء تلك المفاوضات.
أشيع فيما بعد قمة بطرسبورغ 15/8/2016 الكثير عن التوصل إلى تفاهمات روسية- تركية بما فيها تلك التي تخص الأزمة السورية إلا أن الوقائع التي تلت تلك التسريبات تبدو عصية على التقدير، ففي الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني شتاينماير 14/8/2016: «إن هناك تفاهماً بين بلاده وتركيا حول وضع رقابة دولية على الحدود السورية- التركية «كانت هناك تقارير لوكالات عالمية تقول بعبور 1000 مسلح خلال أيام 13-14-15/8) لمعبر باب السلامة بعدما تم إغلاق معبر باب الهوى بصفقة سياسية في مقابل إغلاق موسكو لممثلية الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) فيها وهو ما تم الإعلان عنه بعد 48 ساعة من انتهاء قمة بطرسبورغ.
لاشك أن الدور الذي تضطلع به أنقرة في إمكان ضبط الحدود وعبور المقاتلين هو دور كبير إلا في حالة واحدة هي أن تكون الولايات المتحدة غير موافقة عليه، دلّت الترتيبات التي عملت واشنطن على إجرائها في الشمال والشمال الشرقي السوري على أن واشنطن كانت تضع في حساباتها أموراً من هذا النوع (ذهاب أنقرة إلى فرض رقابة على حدودها مع السوريين).
وهو ما يفسر ذهابها إلى إقامة جدار بنيوي يلي وحدات الحماية الكردية يمتد من المالكية في أقصى الشرق إلى غرب الفرات ومن ثم إلى منبج مدعوماً بقاعدتين جويتين في الرميلان وعين العرب الأمر الذي من شأنه أن يضعف الفاعلية التركية في ضبط الحدود، بينما تؤكد الأحداث الجارية في الحسكة والتي بلغت ذروتها يومي 17-18 آب أن واشنطن بالتأكيد ليست راضية عما يمكن أن تفضي إليه اللقاءات الإيرانية- التركية والروسية – التركية التي كانت مكثفة على امتداد الأيام العشرة الأخيرة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون قوات «الأسايش» قد ذهبت إلى ما ذهبت إليه يوم 17 آب في مهاجمة مواقع الجيش السوري والمنظمات الحليفة له لولا وجود حالة دفع أميركية وما يؤكد هذا الأمر بشكل قاطع هو النفس الذي كان يتحدث به ريدور خليل الناطق باسم قوات سورية الديمقراطية والذي كان رئيساً للوفد الكردي الذي جاء إلى دمشق للوصول إلى تفاهم في أعقاب الأحداث الأخيرة، كان ذلك النفس لا يدل على حجم المتحدث ولا على قدراته وإنما يشير إلى أن هذا الأخير قد استخدم في تحركه شاحناً أميركياً، الأمر نفسه تكرر في حديث ريزان غلو (الرئيس المشترك لهيئة الدفاع عن مقاطعة الحسكة) إلى قناة الميادين 20/8/2016 والذي ذهب فيه إلى حدود القول: إن «لا مفاوضات مع النظام» وهو قول أكبر بكثير من أن يصرح به فصيل كذاك الذي ينضوي تحت قيادة هذا الأخير.
هذا التصعيد الكردي الأخير هو على الأرجح حالة دفع أميركية استباقية بالأكراد نحو خلط الأوراق في ظل وجود مساع إيرانية روسية تركية لإعادة ترتيبها من جديد وهو يشير إلى أمرين اثنين: الأول إن هناك اليوم علاقة وثيقة بين واشنطن والقيادة العامة لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل التي تقود الأفرع الأربعة للحزب في كل من سورية والعراق وإيران وتركيا، فالقيادة السياسية المعلنة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية لا تمثل شيئاً وهي ليست أكثر من واجهة بينما القائد الفعلي هو جميل باييك، الثاني إن التوجيه الأميركي الحالي للأكراد يستند إلى إقناعهم بأن الحال الراهنة هي الأنسب للقيام بعملية قضم جغرافية تفرض نفسها على تطورات الأحداث قبيل أن يصبح الأكراد الضحية الكبرى لتفاهم روسي إيراني تركي مفترض وسواء كانت تلك القراءة صحيحة أم لا (على الرغم من وجود ما يبررها) إلا أن اللافت والمؤكد هو حالة الارتهان الكردية الكبرى للإرادة الأميركية.
حلب اليوم على مسافة أيام من حرب إقليمية كبرى وفي هذا السياق نرى أن ما تبقى للسعوديين هو القتال بشراسة منقطعة النظير تصل إلى حدود الحالات الانتحارية في مواجهة موازين لا تبدو الرياض فيها قادرة على فعل الكثير، حالة الإحباط التي تملأ دوائر صناعة القرار السياسي السعودي تعسكها شاشات الفضائيات السعودية وتلك الممولة من الرياض فالتحليلات باتت باهتة والمحللون باتوا كما العاشقين الذين فات زمنهم فلم يعودوا يمتلكون جذوة واتقاد الحديث الذي ينقل المشاعر، وهم (المحللون) قد جاؤوا هذه الأيام بلا حواسيبهم التي تحتوي على كل شيء وتحتوي أيضاً على ماذا سيحدث أو ما يجب أن يحدث.