واشنطن: نحو كردستان الأميركية.. بقلم: عامر إلياس

واشنطن: نحو كردستان الأميركية.. بقلم: عامر إلياس

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ أغسطس ٢٠١٦

استأنفت ما تسمى بقوات «الأسايش» محاولاتها العسكرية الرامية إلى تطويق الجيش السوري والقوات الرديفة في مدينة الحسكة، عاصمة المحافظة الواقعة شمال شرق البلاد والتي تقع العديد من المدن الإستراتيجية السورية الحدودية وتلك الغنية بثرواتها الزراعية والنفطية ضمن حدودها الإدارية. الرد الكردي جاء بعد بيان هو الأول من نوعه للقيادة العامة للجيش والقوات المسلّحة يروي ما وقع، ويشير إلى الأسايش كونها «الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني» الذي قام باستفزازات كثيرة مؤخراً منها أعمال الخطف والسلب والنهب، دون أن ترد القوات السورية الموجودة في الحسكة.
الواضح أن البيان الصادر عن الجيش السوري حدّد جملة من الثوابت الجديدة في إدارة الصراع تقوم على أولوية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والعيش المشترك بين مكونات سورية، فالبيان شدّد على أنه ليس موجهاً لمكوّن بل فقط لمجموعة حزبية ناشطة على الأراضي السورية معروفة ومحددة بالاسم، كما حاول البيان نفي صفة الشرعية، وإن بطريقة غير مباشرة، عن نشاط الكردستاني على الأراضي السورية باعتباره بات يستخدم العنف لترهيب الأهالي من السوريين بهدف تحقيق أهدافه الخاصة في الحسكة وشمال شرق البلاد، وبهذا المعنى فإن الجهد الإقليمي لمحاصرة طموحات حزب العمال الكردستاني وأجنحته اكتمل في سورية بعد البيان، لكن ماذا عن واشنطن وأكرادها؟
تحرّك الأكراد في سورية وتحديداً في الحسكة على خلفية التطور الأبرز في العملية العسكرية الجوية الروسية في سورية والمتمثل باستخدام قاعدة «همدان» في إيران من أجل ضرب أهداف داخل سورية وزيادة فاعلية القصف الذي يستهدف «النصرة وداعش» بالاسم، كما تحرّك أكراد حزب الاتحاد الديمقراطي برئاسة صالح مسلم وأجنحتهم المسلّحة المتمثلة بما يسمى «وحدات حماية الشعب» وقوات «الأسايش» على خلفية وجود بوادر تحوّل واضح في الموقف التركي من سورية في حدّه الأدنى يقوم على المشاركة في الحرب على داعش بشرط أن تتوسع الجبهة ودائرة الاستهداف لتشمل «حزب العمال الكردستاني» الذي يقلق أنقرة ونظامها إلى أبعد الحدود، وهو ما يستلزم من التركي أولاً التحكم بالحدود والحد من عملية تمرير المسلحين والأسلحة إلى الجماعات الوهابية في سورية وخاصةً في الشمال السوري، فهل يناسب هذا الأمر الإدارة الأميركية؟
من غير الممكن خروج الأتراك عن الخيارات الإستراتيجية لواشنطن وحلف الأطلسي، لكن هامش المناورة نتيجة الانقلاب الفاشل وتداعياته على تركيا، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، متاح للجميع، وبالتالي من الممكن أن تسير أنقرة في ركب محاربة الإرهاب وفق رؤية تقريبية لما تريده موسكو وذلك يؤثر بشكل مباشر على الأداة الأميركية الرئيسية في سورية ممثلةً «بوحدات حماية الشعب الكردي» التي أمّنت للأميركيين إنشاء أربع قواعد عسكرية في مناطق نفوذها وتحديداً في محافظة الحسكة، حيث القاعدة العسكرية في الرميلان قرب مدينة القامشلي، وتمركز 100 عنصر من المارينز الأميركي في قرية المبروكة الواقعة في الريف الغربي للحسكة، إضافة إلى الوجود العسكري الأميركي في عين العرب، وفي عين عيسى، وفي معمل لافارج للإسمنت الذي يبدو أنه يستخدم اليوم كمهبط للمروحيات الأميركية، تلك المروحيات التي تعمل في سورية تحت ستار قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ممثلاً بداعش فقط، والذي كانت منبج أحد آخر إنجازاته، والتي اعتبرها أكراد صالح مسلم خطوةً على طريق استكمال «الفدرالية في سورية»، وبهذا المعنى تريد الولايات المتّحدة سلخ الشمال الشرقي في سورية من المالكية في الشرق إلى عفرين في الغرب وتحويله إلى منطقة نفوذ صرف لها بحجة محاربة داعش، والمظلومية الكردية التي تشابه على حدّ كبير وفق ما ترويه أدبيات حزب العمال الكردستاني ما جرى في «الهولوكوست» والرواية الصهيونية لمعاناة اليهود.
حاول الجيش السوري في بيانه أمس وضع النقاط على الحروف والحديث عن تجاوزات تشبه تصرفات قطاع الطرق والعصابات المسلحة التي ترهب المدنيين، منبهاً إلى استعداده لاتخاذ جميع الإجراءات للحفاظ على وحدة البلاد والخطوط الحمر القائمة منذ ثلاثة أعوام في شمال شرق البلاد، على حين أن موسكو صامتة حيال ما جرى والإدارة الأميركية اعترفت بأن الطيارين السوريين لم يتجاوبوا مع نداءات الطيارين الأميركيين، فهل نحن أمام تحوّل في الحرب على الإرهاب في سورية؟ وهل تصبح معركة الحسكة أولوية بقدر معركة حلب لقطع آخر احتمال لتقسيم البلاد؟