الأكراد والحلم القاتل..بقلم: عمر معربوني

الأكراد والحلم القاتل..بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ أغسطس ٢٠١٦

بيروت برس
ليست كلّ الأحلام ورديّة، فبعضها شديد الدمويّة ويمكن ان يؤدي الى كوارث لا يمكن لأحد توقعها، خصوصاً اذا ما كانت هذه الأحلام غير قابلة للتحقيق ولا تحمل في طياتها عوامل تستند الى حقوق مشروعة وقانونية.

اكراد سوريا والحلم القاتل ليس عنواناً لجذب القرّاء بقدر ما هو توصيف لواقع لن يدرك الأكراد خطورته إلّا بعد فوات الأوان، وان كانوا هذه الأيام يستقوون بأميركا فأميركا يمكن ان تخرج من معادلة المنطقة في اي وقت بعد سلسلة التحولات الدراماتيكية في مواقف اطراف الصراع ومنها تركيا التي ستتبلور انعطافتها خلال سنة على الأكثر وربما اقل، مع ضرورة الإشارة الى انّ المقاومة ضد الأكراد ومعهم داعمهم الأميركي قد تكون الأسلوب الأنجع لمنع الأكراد من الإستقرار في كانتونهم المزمع، وهي ستكون مقاومة عربية سورية يشارك فيها السريان ومكونات اخرى من الشعب السوري بفاعلية.

ليست خافيةً العلاقة القديمة بين الأكراد والكيان الصهيوني، والتي ترجع الى ستينيات القرن العشرين، وما العلاقة مع الأميركيين إلّا ترجمة لهذه العلاقة حيث يشكل الحلمان الصهيوني والكردي تماهياً في المصالح يفرض هذه العلاقة.

في الأساس، لا يمكن تجاهل اهداف المشروع الأميركي في المنطقة، والذي يمكن اختصاره بعنوانين، الأول تعميم الفوضى، والثاني تقسيم المنطقة الى كيانات على اسس طائفية وقومية ومذهبية، وهو ما يتناغم مع الحلم الكردي التاريخي.

وإن كنا لا ننكر على الأكراد حقوقهم، إلّا ان إقامة كانتون لهم في سوريا متعذر لمجموعة من الأسباب اهمها:
-    العامل التاريخي، حيث ان وجود الأكراد في سوريا يرجع الى عام 1925 بعد ثورة الشيخ سعيد بيران التي قمعها اتاتورك وادت الى هجرة اتباعه الى مناطق تواجدهم الحالية، وهم لا يتجاوزون المليون نسمة يتوزعون في كل سوريا ويعيش اغلبهم في شمال سوريا، ولم يبق منهم في الكانتون المزمع وهو بحسب تسميتهم يدعى "روج آفا" الا حوالي 200 الف من اصل 600 الف نسمة.

-    العامل الديموغرافي، وهو عامل مهم حيث لا يشكل الأكراد في مناطق تواجدهم الأساسية على الجغرافيا التي يزمعون اقامة كانتونهم عليها الا نسبة قليلة، حيث يبلغ سكان مدينة الباب وحدها حوالي 150 الف نسمة، ناهيك عن مدن اخرى كالحسكة ومنبج وجرابلس وغيرها، اضافة الى آلاف القرى العربية والسريانية، وهنا على سبيل المثال لا الحصر مثال تقريبي على توزع السكان في الإقليم الحلم "روج آفا":

1- في محافظة الحسكة، عدد القرى الإجمالي 1717 قرية بينها 1161 قرية عربية و453 قرية كردية و50 قرية سريانية والباقي قرى مختلطة.

2- في منطقة المالكية، عدد القرى العربية 148 قرية مقابل 115 قرية كردية و16 قرية سريانية و15 قرية مختلطة.

3- في القامشلي، يوجد 345 قرية عربية مقابل 185 قرية كردية وقرى سريانية و13 قرية مختلطة.

4- في منطقة راس العين، يوجد 167 قرية عربية مقابل 96 قرية كردية و16 قرية مختلطة.

5- في حين عفرين ونواحيها لا يتجاوز عدد السكان فيها 37 الف نسمة.

-    العامل الجغرافي، وهو العامل المهم ايضاً حيث لا يوجد رابط جغرافي وثيق يمكن للأكراد اعتباره مناطق كردية صافية إلّا اذا قاموا بترحيل العرب والسريان وغيرهم الى خارج  مناطق سيطرتهم المحتملة، وهو ان حصل يكون نموذجاً شبيهاً بالنموذج الصهيوني، وسيكون سبباً في نشوء مقاومة ضد الأكراد ستؤدي الى هزيمتهم بالتأكيد.

-    العامل السياسي: باستثناء اميركا، فإن جميع دول الجوار من تركيا الى العراق وايران ومعهم سوريا يعارضون نشوء هذا الكانتون لأسباب مختلفة لن يكون بوسع الأكراد تجاوزها، وربما تشكل عامل تقارب تحديداً بين تركيا وسوريا سيصبح بنتيجتها الأكراد داخل طوق محكم يفقدون من خلاله عامل الحركة، وسيتسبب بالتأكيد لهم بمشاكل كارثية.

اميركا الراغبة بتقديم نموذج تقسيمي ستستمر بدعم الأكراد طالما هي قادرة على ذلك، ولكن التحول الأهم في المسألة هو تدخل سلاح الجو السوري واستهداف مواقع لقوات الأسايش الكردية التي حاولت بعد فشل إجتماع بين ممثلين أكراد ومحافظ الحسكة الذي يمثل قانونياً الرئيس بشار الأسد، حيث عمد الأسايش الى مهاجمة مقار عسكرية وأمنية وادارية بهدف السيطرة عليها.

إنّ تدخل الطيران السوري اشارة واضحة وقوية لا تحتمل الإلتباس، وهو رد واضح على المشروع الإنفصالي الذي تحاول القوات الكردية فرضه، حيث ان فشل الإجتماع حصل بسبب مطالب كردية بضرورة حل وحدات الدفاع الوطني واللجان الشعبية وتسليم المقرات الحكومية مقابل تعهد بعدم الإنفصال، وهو ما تم رفضه وأدّى الى الإشتباكات، مع الإشارة الى ان القوات الكردية وعلى الأخص قوات الأسايش تقوم منذ فترة طويلة باعتداءات وسرقات تطال الكثيرين وتقوم بتنفيذ عمليات خطف وقتل بشكل مستمر.

إنّ ما حصل خلال الأيام الفائتة مرشّح للتصاعد بسبب المواقف الكردية المتعنتة، وان حصلت تهدئة ما بنتيجة الوساطات الحالية ومنها الوساطة الروسية فإنّ الأمور برأيي لن تشهد استقراراً طويلاً خصوصاً ان الأكراد ينوون التقدم باتجاه مدينة الباب وفيما بعد باتجاه عفرين لوصل جغرافيا كانتونهم ببعضها، ليشكل انتشارهم الواسع بحد ذاته مستقبلاً سبب تشتت قوتهم وانهيارهم السريع امام اية ضربة يمكن ان توجه لهم.