تقسيم العراق: فكرة مدفوعة الثمن.. بقلم: سنان انطوان

تقسيم العراق: فكرة مدفوعة الثمن.. بقلم: سنان انطوان

تحليل وآراء

الخميس، ١٨ أغسطس ٢٠١٦

تنصح مقالة نشرتها مجلة «تايم» الأميركية في 28 تموز الماضي الرئيس (أو الرئيسة) الأميركي القادم، بتقسيم العراق. وليست هذه أول مرة يتم فيها طرح فكرة تقسيم العراق في الدوائر الأميركية بالطبع. فقد سبق لجوزف بايدن، نائب الرئيس الحالي، أن اقترح في مقالة نشرها العام 2006 في «نيويورك تايمز»، وكتبها مع ليزلي غلب (رئيس مجلس العلاقات الخارجية بين عامي 1993 و2003) خطة لتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق بحسب الغالبية الإثنية والطائفية. لم تحظَ الخطة بقبول واسع وهو ما تُذكّر به المقالة المذكورة أعلاه. لكنها تزعم أن الوقت لم يكن ملائماً آنذاك، إلا أنه ملائم للتقسيم الآن. وكاتب المقالة هو مارك بفايفل، الذي كان أحد مساعدي بوش الإبن وشغل منصب نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للاتصالات الاستراتيجية والتواصل العالمي. ولعب دوراً أثناء ما سمي بحملة الـ surge بين عامي 2007 و2009.
يتحدث بفايفل في المقالة عن «المسؤولية الأخلاقية» التي تتحمّلها الولايات المتحدة عن إيجاد حل لأزمة العراق، ويتطرّق أيضاً إلى العوامل والحسابات الجغراسياسيّة. ثم يتوجّه إلى مرشحي الرئاسة مشدّداً على أن قرار التقسيم سيكون في صالحهما. فبالنسبة لكلينتون «سيكتب نهاية ناجحة لقرارها المثير للجدل بتأييد الغزو وسيبرهن صحة آراء الصقور من مستشاريها». أما ترامب، فإن التقسيم سيظهر «براعته في عقد الصفقات وفي أن يكون مغايراً للتفكير المؤسسي الذي يحتقره». لكن الجزء الأهم في المقالة هو ذلك الذي يقول فيه: «لا يتطلّب فعل الشيء الصحيح في هذه الحالة «بناء دولة» أو «تغيير نظام»... فكل ما على واشنطن أن تفعله هو السماح للفاعلين المحليين بالقيام بما هو عادل ومنطقي». ليست الحجج التي تسوقها المقالة مقنعة البتّة، بغض النظر عن موقف المرء من الموضوع. لكن ما يهمّنا هو توقيت المقالة واحتمال كونها جزءاً من حملة إعلاميّة منظمّة ومدفوعة الثمن. ليس سراً أن «الفاعلين المحليين» الذين يطرح بفايفل قضيتهم بـ «حرص شديد»، والذين يبحثون عن إقليم أو دولة، قد كثّفوا مؤخراً من جهودهم وتعاقدوا مع شركات علاقات عامة في واشنطن للتأثير على الرأي العام والدوائر السياسيّة وللحصول على أرباح سياسية يمكن جنيها في مرحلة ما بعد تحرير الموصل. أعلنت مجموعة «غلوڤر پارك» في أيلول الماضي أنها ستعمل بالنيابة عن «العراقيين السنّة» في الولايات المتحدّة بعد توقيعها عقداً مع شركة يملكها رجال أعمال عراقيون في دبي. ولحكومة إقليم كردستان شركة تمثلها هي الأخرى.
ومثل كثير من الموظفين السابقين في الحكومات الأميركيّة، يعمل بفايفل الآن في حقل العلاقات العامّة ويرأس شركة «أوف ذا ريكورد» التي تتخصص في الاستشارات السياسيّة. واسم الشركة يقول الكثير. إذ إن معنى عبارة «أوف ذا ريكورد» هو «سرّي/ ليس للنشر» وهي لا تفصح عن هوية زبائنها. وهو ما يعني أن المقالة في «تايم» جزء من الخدمات التي يقدّمها. والمؤسف أن مقالات دعائية كثيرة كهذه تترجم إلى العربية لتنتشر سمومها.
هل يمكن أن يحل التقسيم المشاكل والكوارث التي سببها نظام بغداد الطائفي؟ أم أنّه سيزيد من فرص الفساد والإثراء غير الشرعي للسياسيين (أي الفاعلين المحليين!) على حساب المواطنين؟ وسيكون تقسيماً وتوزيعاً للغنائم والثروات على زبائن بفايفل وأمثاله، وللخراب والموت على المواطنين والنازحين.