شاشة بحجم وطن.. بقلم: إيفلين المصطفى

شاشة بحجم وطن.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ١٤ أغسطس ٢٠١٦

EVLISM86@GMAIL.COM
في جلسة مع بعض الأصدقاء من خارج الوسط الإعلامي، دهشت من إصرار أحد الأصدقاء لمشاهدة الأخبار عبر إحدى المحطات الفضائية العربية " التي توصف بالمغرضة"، في حين أصرت صديقتي أن تشاهد الأخبار على إحدى قنوات المحطات الفضائية "الوطنية" المحلية، مشهد النزاع على أي محطة ترغب بمتابعة أخبار الوطن، مازال مستمراً منذ خمس سنوات ونصف السنة، أي منذ بداية الأحداث في سورية، ولأن الإعلام سلاح رئيسي في هذه الأزمة، إلا أن القائمين على الإعلام المحلي والرسمي مازالوا مصرين على عدم العبث بالآلية العامة لعمل هذه المحطات، تاركين للمشاهد حرية الاختيار.
مالم يدركه القائمون على الإعلام السوري، أن مبدأ حرية الاختيار يتضمن عبارة "حرية" هذه العبارة التي لا يمكن فرضها على المتلقي خاصة في المشهد الإعلامي، لأن غاية أي وسيلة إعلامية وهدفها الأساسي هو جذب شريحة من المشاهدين.
 بمعنى أدق لا يمكن أن تعامل المتلقي وكأنه يسير في سوق تجاري تدعو له حرية الاختيار بين متجرك المترهل الذي أكل الدهر عليه وشرب،  وبين متجر آخر متطور ومعاصر، لأنك في هذه الحالة تبخس المستهلك حقه في الاختيار، إذ لا يمكن لأي زبون في السوق أن يلفت انتباهه متجر هرم، بل على العكس تماماً سيجذبه المتجر الأنيق والحديث.
مشهد النزاع بين أصدقائي دفعني لأخوض نقاشاً معهم عن سبب عدم رغبتهم في متابعة القنوات الوطنية، وكالعادة كان الجواب: "نحن لا نشكك بوطنية هذه القنوات، لكنها غير قادرة على مجاراة الأحداث وخاصة أننا في وضع حرب من غير الممكن الوثوق بشكل مطلق بأخبار هذه القنوات كثيراً  لأن سجلها حافل بالكثير من الأخطاء، الأمر الذي ساهم في إلغاء الثقة بينها وبين المشاهد، والأمثلة على ذلك كثيرة، إضافة لذلك مازالت تعتمد على عدد من المذيعين والمراسلين الذين لم يطوروا من أدواتهم ومن أدائهم رغم مضي خمس سنوات على الأزمة، في حين أصبح أي مواطن عادي لا يفقه بأصول المهنة قادراً على أن يبهرك بصرياً و خطابياً، وأن يجعلك من المتابعين لأخباره نتيجة اعتماده على العفوية الصادقة، وليس الاعتماد على العفوية الساذجة، إضافة لذلك تجد أن القنوات الأخرى "الفضائيات العربية" تعمل بمهنية عالية، بخطوات مدروسة وكأن لديها أطباء علم نفس يشرحون للمذيع وللمحرر آلية عرض الخبر والصورة، بطريقة تجعلك تصدق ما تراه حتى ولو أنك متأكد من أن الخبر عار عن الصحة، لكنك تضطر لأن تشك بذاتك وتسأل من هم حولك إذا كان الخبر صحيحاً أم خاطئاً.
رغم ما سرده الأصدقاء من ملاحظات على قنواتنا الوطنية، توقعت أن تعترض صديقتي التي كانت تصر على مشاهدة قنواتنا الوطنية، لكنها ابتسمت قائلة: أتفق معكم ولدي ملاحظات كثيرة على هذه الشاشات، تبدأ من الشكل الخارجي للمذيعين، ولا تنتهي عند سذاجة الحوارات والأسئلة التي تصاغ بطريقة ركيكة، لكنني أرغب في متابعة هذه القنوات وتلقي الأخبار من خلالها ليبقى لدي أمل بأن الأمور تسير على ما يرام، وأنه بإمكاني أن أنام قريرة العين وأحلم أحلاماً سعيدة.
كلام صديقتي رغم أنه نابع من قلب محب، لكنه في نفس الوقت يشعرك بكم الحزن على هذا الإعلام الذي بات كمن يبيع الأمل للمحبطين، لمن لا يرغب في رؤية الواقع كما هو، محزن أن تكون قنواتنا هي نافذة تغرد خارج الواقع، في حين أن الواقع مؤلم وظروف الحرب كارثية، وهنا لا أتحدث عن الشأن السياسي والعسكري، إنما أقصد الواقع المعيشي والاقتصادي والخدمي الذي يقدم للمشاهد وكأن الحكومة بمن فيها من مسؤولين ينهون حجر الأساس الأخير لافتتاح مشروع المنجزات، وكأنها من ضمن المعجزات السبع.
حديث أصدقائي انتهى بتساؤل، عن تقييمي لهذا الإعلام بعد مضي خمس سنوات ونصف السنة من الأزمة؟
بكل صدق وشفافية، لست في موقع التقييم، وخاصة أن تجربتي مازالت صغيرة في هذا القطاع، لكن بكوني أعمل في هذا المجال  وشاهدة على الكواليس، تحدثت إليهم من وجهة نظري، وهي تبقى ضمن إطار وجهة النظر الشخصي فقط.
 بداية إن من أسباب ما نراه من ترهل على هذه الشاشات الوطنية، هو نتيجة حتمية لوضع العاملين فيه من الناحية الإدارية، لأنه من البديهي جداً عندما يتم تحويل الإعلام إلى وظيفة روتينية، مثلها مثل باقي المؤسسات ما يعني أن القائمين عليه يرغبون في وجود إعلام مترهل، وخاصة أن العمل الروتيني يفقد الصحفي شغفه في البحث عن سبق صحفي، ويقتل فيه الإبداع في برنامج أو تقرير مرئي يحاكي من خلاله الشارع والمشاهد، وبالتالي لا يمكن أن تفرض على الإعلامي أن يتحول لآلة ملزمة بساعات عمل محددة وبتقييدات ضمن عمله لا تمنحه جزءاً من حريته في الحركة لتتبع الأخبار والبحث عن خفايا الخبر، هذه التقييدات تساهم بتحويل الصحفي من مبدع إلى موظف مصاب بشلل فكري وجسدي، ينتظر أجره نهاية كل شهر.
 وهنا لا أقصد أنه لا يجوز وضع ضوابط ونظام لعمل الصحفيين، بل على العكس يجب أن تكون هناك آلية للعمل، تبين لكل صحفي الدور المطلوب منه، لكن لا يمكن أن تطلب من الصحفي سواء كان مذيعاً أو محرراً أن يقدم لك مادة إعلامية ناجحة، ضمن هذه الشروط التي تفرضها إدارياً عليه ومن دون أن تمنحه جزءاً من حقه، في الاستقرار وفق عقد قانوني واضح وصريح، باعتبار أن العقد في العمل هو شريعة المتعاقدين، لكن ما نجده ضمن مؤسساتنا الإعلامية وعلى وجه التحديد الإعلام المرئي بأن الصحفي مطالب بواجبات كثيرة تتجاوز حتى الواجبات المطلوبة من أي عامل في المؤسسات الأخرى ومع ذلك حين تسأل الصحفي وفق أي نظام عمل تمارس عملك، تجده يصاب بالحيرة وعدم القدرة على الرد، لأنه لا يعرف وفق أي نظام عمل يمارس مهنته، البعض يقول إنه ضمن نظام " البونات" ووفقاً لهذا النظام فالصحفي غير مطالب بساعات عمل يومية ومحددة إنما يكون مطالباً بإنتاجية، أي إنه يأخذ أجره وفق ما يقدمه من مواد إعلامية للمحطة التي يعمل بها، في المقابل حين يقدم الصحفي عمله كاملاً ضمن ساعات عمل يومية محددة وأيام إجازات معدودة في السنة، ولا تشمله الإجازات الرسمية، إضافة لعدم وجود  قانون عمل أو نظام داخلي للقناة التي يعمل بها ينظم عمله ويحدد واجباته وحقوقه، علماً أن أجر الصحفي مازال متدنياً مقارنة بحجم الجهد الذي يبذله ويقدمه.
 هنا  في هذه الحالة عليك أن تغفر للصحفي بحثه عن عمل في مكان آخر أوفي بلد آخر، وعليك أن تغفر للصحفي بحثه عن عمل إضافي مخالف لعمله الأساسي كصحفي، وأن تغفر له عدم متابعته للأحداث وعدم مبالاته لما يحدث لأنه غير قادر على تحصيل حقوقه كصحفي يحتاج لدعم معنوي ومادي، يجب أن تغفر للصحفي الذي غادر عمله من دون استئذان، وتم اتهامه بأنه لا أخلاقي في حين أن الآلية التي كان يعمل ضمنها مارست كل الآليات غير الأخلاقية، حين سمحت للبعض من مدعي الصحافة أن يكون لهم حرية التصرف والدوام والإجازات واختيار الأوقات التي تتناسب مع حياتهم واختيار آلية طرح الأفكار والبرامج التي يرغبون بها من دون الرجوع لبديهيات العمل الإعلامي، والسبب في ذلك أن حفنة من هؤلاء المدعين والمتطفلين على العمل الإعلامي لديهم واسطة بحجم البلد، فرضت على القائمين أن يتصدر هؤلاء المشهد الإعلامي وأن يكونوا واجهة المجتمع، وأن يكونوا صوت الناس، لكنهم وللأسف ساهموا بقتل الإعلام وتدمير بديهيات العمل الإعلامي، فتراهم يتعاملون مع المتلقي على أنهم  دائماً على صواب، وبأن الآخر دائماً على خطأ، هنا لابد أن تغفر لهؤلاء أيضاً زلاتهم الكارثية في هذه المهنة، لأن اللوم يقع على من منحهم شاشة بحجم وطن، من دون أن يدرك بأن هذه الشاشات تحتاج لأصحاب العقول والفكر، بحاجة لمن يتمتعون بالأخلاق الإنسانية قبل المهنية، لمن لديهم معرفة بعمق هذه المهنة، المدركين لخطورة الكلمة، لذلك لا يمكن أن تلوم من لديه فرصة للظهور بهذه الطريقة المأساوية، حقيقة اللوم الأول والأخير لمن مازال يعتبر أن شاشة تلفزيونية بحجم وطن، يمكن أن يتحكم بها عبر ريموت الكونترول وكأنها شاشة تلفزيونية خاصة بغرفة نومه.