هل سيستطيع بوتين انتزاع أوراق أردوغان الرابحة في سورية؟

هل سيستطيع بوتين انتزاع أوراق أردوغان الرابحة في سورية؟

تحليل وآراء

الجمعة، ١٢ أغسطس ٢٠١٦

شارل أبي نادر

ربما كانت الصدمة التي أصابت أردوغان في ليلة المحاولة الانقلابية عليه عادية، حيث كان ردّ فعله تحت السيطرة، فاستعان على الفور بقواته الحزبية الوفية والتي انتشرت على مداخل المراكز العسكرية والأمنية والرسمية الحيوية فارضة سوراً وحاجزاً لعدم وصول الانقلابيين والاستفادة من تلك المراكز للتأثير على النظام وتوسيع قدرتهم في إنجاح الانقلاب.

لكن ما صدمه أكثر ولم يستطع بداية أن يستوعب معانيه وأبعاده، مع قسم كبير من المراقبين الدوليين والإقليميين والأتراك، هو الموقف الروسي الرسمي الداعم للشرعية وللحكومة التركية والذي عبّرت عنه القبادة الروسية من خلال أكثر من تصريح لمسؤول رسمي معني، وجاء سريعاً وفي الوقت المناسب الذي كان يحتاجه أردوغان لصالح تماسك حكومته ونظامه. وكانت هذه المواقف الروسية بمثابة ضربة قاضية على الانقلابيين الذين رأوا فيها حواجز صلبة أمام تحقق آمالهم بعد أن اعتبروا مع أغلبية المهتمّين بالملف التركي، انّ روسيا لا بدّ ان تستفيد من الفرص المماثلة وتستغلها لردّ الصاع صاعين لأردوغان ولتصفية حساب مفتوح معه، فُتح على خلفية دعم الإرهابيين في حربهم على سورية وعلى خلفية إسقاط السوخوي الروسية بصاروخ تركي فوق الحدود في أجواء اللاذقية، ومقتل الطيار الروسي بطريقة وحشية ومخالفة لقوانين الحرب والقوانين الإنسانية.

من هنا، انتظر الجميع من المراقبين والمعنيين أن يعمد أردوغان الى ردّ الجميل للرئيس الروسي في اجتماع القمة الأخير في سان بطرسبرغ، والذي لهث الرئيس التركي كثيراً وراء انعقاده والاجتماع بالقيصر، وذلك على الأقلّ لتقديم اعتذار ودود من القلب إلى القلب وعبر نظرة مباشرة الى عيون بوتين، وكان من المنطقي بالنسبة لهؤلاء المراقبين أن يقدم أردوغان التزاماً واضحاً وصريحاً ومحدّداً ينسحب بموجبه من الحرب على سورية من خلال توقيف دعم الإرهابيين فوراً وإقفال معابرهم ومحاور إمدادهم بالعديد وبالعتاد وبالخبرات وسحب المستشارين الأتراك من الشمال السوري.

هذا لم يحصل، أقله في ما خصّ المعابر والمستشارين الأتراك، حيث يحشد الإرهابيون أكثر بإشراف غرفة عمليات تركية التنظيم والتنسيق، ويتحضّرون لشنّ عملية واسعة أطلقوا عليها «معركة تحرير حلب»، بعد أن خاضوا معركة شرسة خسروا فيها الكثير من الرجال والعتاد، تحت عنوان فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية، ولتأتي نتائجها مخيّبة لهم عملياً، حيث يتمّ اصطيادهم كالعصافير على معبر الراموسة الذي ما زال يسيطر عليه الجيش العربي السوري وحلفاؤه بالنار مانعين هؤلاء من الاستفادة من السيطرة الميدانية عليه ولو بنسبة ضئيلة جداً…

في الحقيقة، لا يمكن الاعتماد على الانسحاب التركي الفوري الآن من سورية والتخلي عن أوراق مهمة جاهد الأتراك سنوات للحصول عليها ودفعوا الغالي من مصداقيتهم ومن علاقاتهم العربية والإسلامية مع المحيط لكي تتحقق ويمتلكوها، وهي تكمن في سيطرة المسلحين القريبين منهم بالتوجه وبالهوى وبالتشدّد على قسم كبير من جغرافيا الشمال السوري في إدلب بالكامل وقسم وازن من حلب ومن حماه وامتداداً إلى جسر الشغور ومداخل ريف اللاذقية الشمالي من اتجاه سهل الغاب. وأيضاً تكمن هذه الأوراق الرابحة في تحكّمهم بمجموعات مسلحة إرهابية تنتشر في ميادين سورية أخرى غير شمالية في الغوطة الشرقية وفي الجنوب، ناهيك عن تأثيرهم على حركة وقوة ونفوذ داعش بطريقة خفية ومستترة في مساعدته على تمويل معركته الإرهابية وفي تأمين أسلحته وعناصره عبر معابر تمسكها وتتحكّم بها، ومن غير المعقول أن يتخلّى أردوغان عن هذه الأوراق الآن وبالمجان كرمى لعيون بوتين الذي لم يقدّم له عملياً حتى الآن إلا موقفاً سياسياً جاء ذكياً في فترة حرجة مرّ بها رئيس النظام التركي، وفيه الكثير من الدهاء أكثر منه الدعم الفعلي، ولاحقاً اتبعه باستقبال بروتوكولي في سان بطرسبرغ.

قد يكون الرئيس الروسي هو الأدرى بهذه الأوراق التي يتمسك بها أردوغان. وهو بالمبدأ ليس بعيداً عن فهم وتقدير مصالح الدول ومناورة تحقيقها من خلال استغلال أوراق الضغط والتأثير، ولذلك تحاشى الدخول علناً في الملف السوري لناحية تفاصيله الميدانية والتي ترتبط بشكل مباشر وبالكامل بالتأثير التركي في الحرب على سورية، ولكنه وبطبيعة استراتيجيته الباردة والتي يدعمها بنقاط وبعناصر حارة دائماً، ليس أقلها عرض القوة وإظهار الأسلحة الفعالة والقدرات العسكرية والاستراتيجية في كل مناسبة تظهر أمامه على المسرح الدولي، توصل مع أردوغان الى قرار مشترك لمتابعة ودراسة ما يمكن فعله في موضوع محاربة الإرهاب، وخاصة داعش والنصرة، وحيث لم يشرح الأخير ماذا سيفعل في هذا الإطار في ظل انغماس مخابراته وبعض وحداته الأمنية في تسهيل ورعاية هؤلاء. وهذا ما كان يتطرّق إليه دائماً الروس في أكثر من مناسبة أو مؤتمر أو اجتماع دولي أممي، وأيضاً توصل مع بوتين لقرار بمتابعة موضوع تحييد مدنيي حلب وعدم تدفيعهم الثمن عن الأرهابيين ومعهم هؤلاء الذين خطفوا أحياءها الشرقية واستباحوا الغربية منها بالقصف والقتل والدمار.

ربما كان الموضوع الأكثر حساسية والذي من المنطقي ان يبتعد أردوغان عن الخوض به إذا لم يكن قد بادره بوتين بالخوض به، هو موقفه الحالي من منظومته الدائمة سابقاً والتي هي «لا حل بوجود الأسد»، وحيث تمّت مقاربته من بعيد بموقف لافت جاء في اليوم التالي للقمة على لسان السفير التركي في روسيا حول إمكانية اقتناعهم بدور ما للقيادة الحالية في سورية في إيجاد حل للأزمة السورية والتي أصبحت بارتداداتها عالمية بامتياز.

وأخيراً… ربما لن يتنازل أردوغان عن أوراقه الاستراتيجية التي يملكها في الميدان السوري، حيث الأخير يفقد قسماً من توازنه بسبب التأثير التركي، وذلك على خلفية خوفه من سيناريو أميركي مخطط ومرسوم في الموضوع الكردي الذي يعتبره، وفي أحسن أحواله، مهدداً للأمن القومي ولسيادة الدولة في تركيا، أو على خلفية عدم خسارته نقاطاً مهمة يمتلكها لإزعاج الاتحاد الأوروبي الذي يشتبه بتورط بعض دوله الفاعلة بدعم المحاولة الانقلابية ضده، ومنها ضبط او عدم ضبط معابر اللاجئين والإرهابيين إلى اوروبا. ولكن ما يمكن تأكيده أن ما هو بعد اجتماع قمة سان بطرسبرغ ليس كما قبله، وما تراكم في وجه الأتراك من ملفات واسعة على خلفية التورط في دعم الإرهاب أو التورط في الحرب على سورية لا يمكن نزعه الآن بهذه السرعة القياسية، أولاً من رأس القيادة الروسية وثانياً من رأس القيادة السورية، وأيضاً سيكون من الصعوبة بمكان أن يظهر الأتراك فجأة وقد تخلوا عن كل ذلك الانغماس الذي تطايرت شظاياه الى الداخل الأوروبي وإلى عمق الإقليم القريب والبعيد بين ليلة وضحاها.

البناء