رؤية أميركية للدور الروسي.. في سورية.. بقلم:عبد المنعم علي عيسى

رؤية أميركية للدور الروسي.. في سورية.. بقلم:عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٠ أغسطس ٢٠١٦

فاقعة كانت الوعود التي أعطاها عادل الجبير للروس على هامش الحوار الخليجي الأوروبي في بروكسل 21/7/2016 والتي وصلت حدود أن تضمن الرياض لموسكو نفوذاً في منطقة الشرق الأوسط يفوق ذاك الذي كان يحظى به الاتحاد السوفييتي السابق والتي أظهرت الجبير بمظهر من لبس على عجل قميص أخيه الأكبر ذا القياس XL ثم وجد نفسه في حضور فأراد أن يقنع الحاضرين بأن هذا هو قياسه الذي يرتديه عادة.
يمكن قراءة تلك الوعود بوصول حالات الإغراء الخليجية لموسكو حدود الإفلاس تماماً وفي أعقاب تعثر هذا المسار سرت شائعات على امتداد الأشهر الثلاثة الأخيرة عن قرب التوصل إلى تفاهم أميركي- روسي فيما يخص التسوية السورية وبأن ذلك التفاهم قد يكون مفاجئاً بمعنى أنه لا يأتي في سياق التفاهمات الروسية الأميركية السابقة، كما سرت (شائعات أخرى) أن ما يجري في حلب سيكون من شأنه أن يؤدي إلى تدمير التفاهمات المشار إليها وخصوصاً في ظل وجود تحدّ روسي صارخ للملاحظات التي تبديها واشنطن بين حين وآخر.
للحكم على أمر من هذا النوع من المفيد العودة إلى طبيعة التفاهمات الأميركية الروسية الحاصلة على امتداد عمر الأزمة السورية والأحداث الإقليمية والدولية الحاصلة التي يمكن لها أن تؤثر في تلك التفاهمات، في آب 2013 ألغى باراك أوباما قمة كانت ستجمعه إلى نظيره الروسي على خلفية منح موسكو للموظف السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي إدوارد سنودن اللجوء السياسي إليها في الأول من آب 2013، هذا الأمر أدى أيضاً إلى إلغاء لقاء كان من العادة أن يجري بروتوكولياً على هامش حضور باراك أوباما لقمة الـ20 التي انعقدت في سان بطرسبورغ في أيلول من العام 2013، ومن ثم تتالت محفزات التصعيد والتوتر على شاكلة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها في آذار 2014، مذاك لم يلتق الرئيسان سوى مرة واحدة قصيرة كانت على هامش الدورة الأخيرة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، آنذاك ألقى الرئيس الأميركي خطابه فيها 23 أيلول 2015 ثم ذهب من فوره إلى لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو أمر كان قد فسر على أن الرئيس الأميركي لا يريد أن يخضع لأي تأثيرات قد تغير من لكنة الخطاب الذي يريد إلقاءه، ومع ذلك لم يحظ اللقاء بكثير اهتمام على حين أن لقاء وزيري الخارجية كان قد خطف الأضواء كلها وفيه تم الإعلان عن أن الطرفين قد اتفقا على حسم الحرب السورية عبر العملية السياسية وليس عبر أي شيء آخر، وهو الأمر الذي فسر آنذاك بأنه كان يمثل ضوءاً أخضر أميركياً للتدخل الروسي العسكري في سورية الذي حدث بعد أسبوع على ذلك اللقاء في 30/9/2015 قبل هذا التاريخ الأخير بثلاثة أيام 27/9/2016، قال بوتين لصحيفة شارلي روزه بعد غزو العراق ثم تدمير السلطة وتفكك الدولة، الأمر نفسه تكرر في ليبيا ونحن ببساطة لا نريد أن يتكرر هذان السيناريوان في سورية.
من المهم أن نقول هنا إن خطاب أوباما المشار إليه في الأمم المتحدة كان قد تضمن مطالبة الرئيس الأمريكي لنظيره السوري بالتنحي عن السلطة في سورية للقول إن ما تعلنه واشنطن لا يشكل بالضرورة وفي كثير من الأحايين الرؤية الأميركية الحقيقية أو مطالبها من ذلك الصراع.
أعطت واشنطن ضوءها الأخضر للتدخل الروسي في سورية بناء على معطيات (وهي لا تزال موجودة إلى الآن) لعل من أهمها أن الانقسام الحاد في المجتمع السوري والذي عمل الخليج على إثارته وتعميقه يهدد في حال سقوط النظام بوقوع مجازر كبرى كما حصل مع الأيزيديين في العراق، ومنها أيضاً أن واشنطن كانت ترى أن أربع سنوات من عمر الصراع (كانت أربعاً عشية عاصفة السوخوي) لم يستطع فيها أي من طرفيه إلحاق الهزيمة بالآخر ومن الضروري رؤية الأمر على هذا الأساس، يضاف إلى ذلك أن مطلع شهر أيلول الماضي (أيلول 2015) كان مخيفاً للأوربيين الذين كانوا على موعد مع موجات متتالية للنازحين لا يبدو أنها ستقف عند حدّ بدعم وتحريض تركيين، ولذا فقد أعلن الأوروبيون أمام الأمريكان أن أوروبا لن تستطيع تحمل مليوني لاجئ (وربما أكثر بكثير) ممن يصعب اندماجهم في الثقافة- وطريقة الحياة- الأوروبية، عبّرت تلك المخاوف عن نفسها بضغوط مارستها بريطانيا وألمانيا على واشنطن للتخلي عن شرط تنحي الرئيس الأسد عن السلطة سبيلاً إلى وضع عربة الحل السورية على السكة الصحيحة.
في 16 تموز 2016 نشر هنري كيسنجر (الذي يتحدث في السياسات الإستراتيجية والعميقة للولايات المتحدة) مقالاً جاء فيه: «إن التدخل الروسي في سورية يمثل تحدّياً جيوسياسياً وليس إيديولوجياً وينبغي على هذا الأساس التعاطي مع تلك المسألة».
هذا الكلام يعني من الناحية العملية أن واشنطن تنظر إلى التدخل الروسي وبعد مضي ما يقرب العام على حدوثه على أنه يمثل حالة «تحدّ جيوسياسية» أي حالة وصول روسيا إلى جغرافيا مكنتها من التأثير في مجمل الأحداث الجارية فيها، ولا تمثل حالة «تحدّ إستراتيجية» بمعنى أنها لا تمثل تهديداً للمخططات الأميركية أو للترتيبات التي تعمل واشنطن على تهيئة المنطقة لها وبالتالي فهي لا تمثل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية في المنطقة.
للمراهنين على تغير محتمل للدور الروسي أو على تضارب مفترض بين هذا الأخير وبين نظيره الأميركي في سورية نقول إن موسكو ليست في وارد إضاعة ما راكمته على امتداد السنوات الخمس الماضية حتى في ظل تلقيها لمزيد من الإغراءات، فالأمر هنا يتجاوز حدود المنفعة الاقتصادية، وهو (الدور الروسي) ليس في وارد التضارب مع الأميركان إذ لطالما أثبتت موسكو أنها تتقن السير وسط حقول الألغام التي ترسم حدود المصالح وحدود الاستفزاز وتلك التي لا يمكن احتمالها تحت أي ظرف كان.