الخطاب المعكوس.. بقلم: سامر يحيى

الخطاب المعكوس.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ٦ أغسطس ٢٠١٦

      لا يوجد شيء يخلق من العدم، ولا يوجد شيء ارتجالي خالٍ من الأخطاء، ولاسيّما في الخطابات واللقاءات التي يُبنى عليها موقف، وتحتاج التطبيق العملي على أرض الواقع، فكل منا مهما كان يدّعي العلم والثقافة والاطلاع، عليه أن يدرس المعطيات بشكلٍ جيد، للوصول لمخرجاتٍ إيجابية وبناءة، وتكتسب مصداقية على أرض الواقع، وتزيد من سعة الأفق والفكر والقدرة على إيجاد الحلول لأعقد المسائل..
       فعلينا دراسة المعطيات للخروج بالنتائج الإيجابية، ولا يمكن لشخصٍ يدّعي أنه مثقف باستحقاق هذا اللقب، إن لم يكن يقرأ ويعي ما يقرأ ويسقط قراءاته على أرض الواقع ضمن الإمكانيات والظروف والموارد المادية والبشرية المتاحة، بعيداً عن التشنّج لفكرته، أو التقليد الأعمى للآخر، أو مقارنة بلده بالآخرين، أو التمسّك بأفكارٍ وتجارب الآخرين متجاهلين قدرتنا العقلية على ابتكار تجارب أفضل منها تؤدي لإيجابيات على أرض الواقع وأكثر تأثيراً وفائدةً للمجتمع وأبنائه، لأننا نحن أبناء هذا الوطن، وهذه الأرض والأقدر على معرفة ما تحتاج، وما الطرق الأنسب لكي نتألق ونتفوّق، وهذا لا يتطلّب تشكيل لجانٍ جديدة بعيدة عن الواقع، إنّما أن تكون اللجان والهيئات التخصصية عبارة عن اجتماعات دورية يتم فيها تداول الحوار والنقاش للوصول للنتائج الإيجابية البناءة القابلة للتطبيق على أرض الواقع، لأن الهدف من تشكيل اللجان ليس تجميع مجموعة شخصيات ليتخذوا القرار، إنما بهدف منها توسيع دائرة التشاور ومعرفة المعطيات والمدخلات الحقيقية والواقعية واقتراح مسودة قرارٍ أو رأيٍ لصانع القرار لتسهيل المهمة وخدمة الوطن، فالهدف من اللجنة هو تهيئة القاعدة المعرفية والمعطيات التي تساعد على اتخاذ القرار، وقد تكون لجاناً دائمة أو مؤقتة، وإن أراد البعض لها العديد من التسميات، فعلى سبيل المثال اللجان الدائمة هي التي تستلم مهامها بشكلٍ دائم، وتستند لتقديم الرأي والمعلومات لصانع القرار، ويمكن أن تكون مساهمة في الاطلاع على كل ما يرد للمؤسسة، وبذلك يكون أعضاؤها بشكلٍ أساسي هم السادة معاوني مدير المؤسسة (من مستوى الرئاسة وصولاً لأصغر وحدة إدارية) ومديري الإدارات من دون استثناء، بهدف النقاش والتشاور المستمر وتقييم أداء المؤسسة وكيفية التقدّم وتحقيق الإيجابيات الأفضل، ومعالجة الموضوعات والإشكاليات، ويعقد بشكلٍ دوري أسبوعاً على الأقل، ويمكن استحداث لجان متخصصة حسب الموضوعات، سياسية، اقتصادية، أمنية، إعلامية، تنظيمية إدارية، تعاون دولي، تخطيط إقليمي، إلخ.... ويحضرها أصحاب الاختصاص بالموضوع، ويدعى إليها من يراه صانع القرار مساعداً لتقديم أفكارٍ للخروج بنتيجة بناءة، ولا سيما من هم على احتكاك يومي مع المواطن، والأكاديميين والطلبة الذين يقدّمون بحثاً علمياً في الموضوع مدار البحث وبالتالي تكسر الشعار المرفوع، إذا أرادت التخلّص من موضوع شكّل له لجنة..
     أما اللجان المؤقتة، فهي اللجان التي تشكّل بهدف دراسة موضوع محدد، ولفترة محددة وتنتهي بانتهاء المدة، وغالباً ما يجب أن تكون لجنة متابعة موضوع محدد، على سبيل المثال إعادة الإعمار، تشكيل لجان يساهم بها جميع الشركاء في عملية الإعمار من أجل المتابعة الجدية على أرض الواقع، وتخفيض نسبة الهدر والفساد للحد الأدنى الممكن، وتقدّم نتائج عملها للجان الأساسية لدراستها وإبداء الملاحظات عليها وإحالتها لصانع القرار.
      إن عملية تشكيل اللجان بهذا الشكل يساهم في تفادي الكثير من سلبيات تشكيل اللجان التي نعاني منها الآن والتي هدف الكثير منها الحصول على المادة، أو تكون لمجرّد اجتماعات لا نتائج لها، أو مجرد لقاءات مع شخصيات محدّدة تكرّر نفسها وحديثها بشكلٍ دائم، حتى هي تتساءل، من وراء عدم الالتزام بهذا الموضوع، ما يؤدي إلى عدم إضافة أيّ أفكارٍ بناءة وإيجابية، ويحرم الطالب الذي يقدّم بحثاً، أو الموظّف من الشعور بدوره في المؤسسة، فتشجيع الروح المعنوية كافٍ لتشجيع عملية البحث العلمي والتحضير والبحث والتطوير والإبداع، كل حسب قدرته وإمكانياته ومكان عمله.  
    ولا أحد ينكر أن علينا الاستفادة من تجارب  الدول المتقدمة، ولكن بنفس الوقت يجب علينا الاستفادة من خبراتنا الطويلة، نجاحاتنا وإخفاقاتنا، فنحن بلد له تاريخ طويل ومنذ عام 1946 وحتى الآن على الأقل مررنا بعشرات التجارب بهدف تطوير الاقتصاد وتأمين الخدمات للمواطن، وإعادة عقلنة الدعم، ولكن كلها كانت تصطدم بعائق عدم الاستفادة من التجارب السابقة، ولا من الظروف المناخية بين محافظة وأخرى ومنطقة وأخرى، ولا على عملية الإنتاج الحقيقية والفائدة الحقيقية مما تقدّمه للدعم، وبين مخرجات هذا الدعم، فكم من تقديم دعمٍ يساهم في رفع الإنتاج وتحقيق عائدية ضخمة، ورفع دعمٍ يعطي العكس والعكس صحيح، وما ينطبق على محافظة دمشق المدينة، قد لا ينطبق على المنطقة الساحلية، أو المنطقة الجبلية، أو المنطقة الصحراوية، فكل له خصوصياته وكل له ظروفه وبيئته، وهذا لن يكون مفيداً إلا بحضور جلسات اللجان شريحة أوسع من العاملين في المؤسسات، والمنتشرين في أصقاع المحافظات.
وأقترح هنا على سبيل المثال:
     تشكيل لجنة "اللجنة الشعبية" أو لجنة الحوار الوطني، بكل محافظة، تجتمع بشكلٍ دوري، في مجلس المحافظة، تضم أعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة والبلديات والقرى، مع أعضاء مجلس الشعب عن المحافظة، بهدف تبادل الآراء والأفكار، ونقل المعاناة والحلول والإيجابيات تحت قبة مجلس الشعب لكي يطرحها الأعضاء، ما يغني جلسات مجلس الشعب، ويساهم برفع عملية النقاش وتبادل الآراء على مستوى القطر بما يساهم بأن تعم الفائدة للجميع من دون استثناء، وهذا أفضل أداء تقوم به المركزية واللامركزية بآنٍ معاً.
ـ تشكيل لجنة إعلامية دائمة، بهدف استكمال تطوير العملية الإعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة من دون استثناء، وإلغاء مفهوم الإعلام السلطة الرابعة، أو الرقيب، إنما هو صلة الوصل بين الحكومة والمواطن، ينقل رأي المواطن ورؤيته للحكومة، ورأي ورؤية الحكومة للمواطن، من أجل تحقيق فائدة المجتمع، وإيجاد السبيل الأمثل لوصول كل وسيلة إعلامية للجمهور المستهدف لها بشكلٍ مدروس وحقيقي، يؤتي ثماره بسرعة وإيجابية، بعيداً عن الارتجالية والشخصانية والعمل الفردي تحت ستارٍ جماعي، ولاسيّما البرامج التلفزيونية والإذاعية والكتابات والمقالات التي تتناول الشأن الداخلي المهم، لكي يكون رأي الكاتب أو الحوار رأياً مستنداً لمعطيات كثيرة وإيجابية، وليس رأي شخصٍ أو اثنين، ويجب أن يشمل ذلك خطب الجمعة وعظة الأحد، فهي من أهم الوسائل الإعلامية التي نغفلها، إضافة لتطوير الأداء بكل المؤسسات، عبر دمج العلاقات العامة والإعلام والمراسم والموارد البشرية وغيرها من التسميات تحت إطار "العلاقات العامة والإعلام" وتوحيد هذه التسمية لكل الدوائر الحكومية من دون استثناء، لكي تكون صلة الوصل بين المؤسسة وجمهورها، والمؤسسة وعامليها، والمؤسسة والشريحة المستهدفة منها، بما يساهم بالوصول للقرار الصائب والسليم واستقطاب الكم الأكبر من المشاهدين بعيداً عن الإطراء اللاحقيقي، لمجرّد الإطراء، وبنفس الوقت إضاعة الكثير من الإيجابيات نتيجة أخطاء بسيطة تحصل ...
سوريتنا بحاجة إلى أفكار كل منا فلنبدع، ولنعمل ما نستطيع من أجل تحقيق أكبر إنجاز ممكن في نجاح سوريتنا، فليقم كل منا بدوره وواجبه لبناء الوطن والإنسان بآنٍ معاً، يداً بيد بعيداً عن الارتجالية والتنظيرية والتقليد الأعمى للآخرين.. فنحن قادرون على إعطاء الدروس للجميع، وعليهم أن يأخذوا الدروس من صمود أبناء الشعب السوري شعباً وجيشاً وقيادة، في وجه أعتى أدوات الإرهاب والفساد في العالم..