إجازة قسرية...بقلم: ميساء نعامة

إجازة قسرية...بقلم: ميساء نعامة

تحليل وآراء

السبت، ٦ أغسطس ٢٠١٦

منذ ما يقارب السنوات الست ونحن نتابع ونرصد تفاصيل العدوان الهمجي على سوريتنا التي كانت تنعم بالأمن والأمان، كما كانت تشهد فورة اقتصادية متنامية بدأت تنهض بجميع مفردات الحياة الاجتماعية السورية باتجاه الصعود الإيجابي البنّاء.
لا يمكننا العودة إلى الوراء إلا من باب الاطلاع على ما كنا فيه من حياة رغيدة يعيش في كنفها الفقير والمتوسط والغني، اليوم تحول معظمنا إلى طبقة متوسطة تميل إلى العيش على حد الكفاف.
لكن ما دخل الحرب بالإجازة القسرية؟!
 مما لا شك فيه أن معظم من يمارس مهنة الإعلام وقع في فخ الأمراض النفسية والعصبية وآلام الرقبة والعمود الفقري وغيرها من الأمراض المرتبطة بمهنة الإعلام.
المهم تقررت الإجازة بأمر الطبيب، وكانت الوجهة محافظة اللاذقية للاستمتاع بزرقة البحر وخضرة الجبال ولن أسترسل بالإنشاء المدرسي، بل سأخل الى صلب الموضوع مباشرة.
اللافت للانتباه أن عدد الحواجز العسكرية على الطريق المؤدية الى المحافظة تناقص كثيراً، ما يدل على العودة التدريجية للأمن الطرقي، وما يلفت الانتباه أيضاً عناصر الجيش العربي السوري الذين يقفون تحت الشمس الحارقة وما تزال الابتسامة ترتسم على وجوههم النيّرة، طبعاً لا يخلو الأمر من عناصر مُستفزة، لكنهم قلة قليلة جداً.
محافظة اللاذقية مزدحمة كعادتها، أيام الموسم السياحي مع فارق بسيط أن السياح ليسوا من أصحاب الجلاليب البيضاء والسيارات الفارهة، بل هم من المحافظات السورية الأخرى أتوا الى اللاذقية للاستمتاع ببحرها وجبالها وسحر جمالها الطبيعي.
قبل ما يزيد على سبع سنوات كنت قد كتبت عن المحافظة السورية الأجمل على مستوى المنطقة بل والعالم، اللاذقية، وسجلت حينها عدة ملاحظات لكن كان المسؤولون عن المحافظة إذاً من طين وأخرى من عجين لا حياة لما يُكتب.
الفوضى تعم مدينة اللاذقية، فوضى العمران وفوضى في القوانين وفي السير وكيفما اتجهت تباغتك الفوضى، الأوساخ ميزة الشوارع والنفايات تجتاح خضرة البساتين، والكارثية الكبرى أن المظهر الجمالي للمدينة السياحية بدأ ينزاح ليحل مكانه السياحة العشوائية.
أذكر قبل عشرات السنين اتُخذ قرار بتحويل اللاذقية الى مدينة بيضاء وتم دهن الأبنية باللون الأبيض، يا حبذا لو لم يتم دهنها لأن قبح الدهان شوه اللون الأبيض نفسه، ربما لو نفذ المشروع وفق المواصفات التي رسمت له لكانت اللاذقية اليوم استحقت لقب المدينة البيضاء.
كما أذكر أنه بذات الفترة الزمنية، انتشرت موضة بساتين الحمضيات، ومن دون تنسيق ودراسة لحاجات السوق، تم اقتلاع أشجار الزيتون وإبدالها بزراعة الحمضيات، ما شكل فائضاً في السوق و أدى الى كساد المادة وخسارة الفلاحين.
اليوم تنتشر موضة كارثية ودونما مراقبة، ألم نقل هناك فوضى قوانين، يتم تحويل الأراضي الزراعية الى معامل والإسمنت يحتل البساتين ومع مرور السنين سيتحول ريف اللاذقية إلى كتل اسمنتية عشوائية وسوف تصبح الزراعة العماد الرئيسي للصناعة السورية بشكل خاص والاقتصاد السوري بشكل عام في خبر كان.
لا يمكن الحديث عن مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار من دون الأخذ بعين الاعتبار إحياء الزراعة وإنعاش الفلاحين وإحداث ارتباط وثيق بين الفلاحين والصناعيين تحت رعاية جادة من الحكومة التي يجب أن تعي أهمية الزراعة وأهمية المحافظة على الطابع الريفي وحمايته بحيث تقلب الموازين، وتصبح أهمية الريف أكبر من أهمية المدينة، وللأسف الشديد في محافظة اللاذقية لا أهمية للريف ولا اهتمام بالمدينة، رغم تخمة وجود المسؤولين في المحافظة.
حماية محافظة اللاذقية المدينة والريف، كأهم محافظة سياحية، مسؤولية مشتركة بين وزارات عدة، السياحة التي يجب أن تنظر إلى المحافظة كمشروع سياحي متكامل، لا أن تنظر إلى المشاريع السياحية الفردية التي تشوه أكثر ما تجّمل وتخدم أصحاب رؤوس الأموال أكثر ما تخدم  السياحة، كذلك وزارة الزراعة ووزارة الصناعة ووزارة الإسكان وغيرها من الوزارات التي تعمل كل واحدة على حدة، هذا إن عملت، والحديث عن المؤسسات التابعة للمحافظة غائبة إلا بما يخدم مصالحها الشخصية، فالنظافة في أدنى مستوياتها والعمولات للمهندسين في المحافظة والبلديات في أوجها وغياب تام للأنشطة السياحية والثقافية.
الحديث عن محافظة اللاذقية يطول، والإجازة القصيرة كانت ملأى بالمنغصات، والموجع عشية العودة الى دمشق منظر طفل جميل افترش الرصيف لينام عليه وعندما سألناه لماذا تنام على الرصيف؟ قال تعبان وأريد أن أنام.
كيف يمكن أن نستمتع بإجازة والوجع يعم المحافظة، كيفما اتجهنا تنتشر صور الشهداء، وكيفما اتجهنا تلاحقنا الفوضى، لكنها، أي الإجازة، مفيدة التنبيه الى ما يحصل وملاحقة التفاصيل التي تشوه المشهد العام للمحافظة التي تحتاج الى مشروع متكامل لتصبح المدينة الأجمل سياحياً، وخاصة أن الله وهبها جمال الطبيعة لكن البشر يجتهدون في تشويهها.
وما زال في جعبتنا الكثير من المشاهدات.