ما السياسة ؟.. بقلم: يوسـف مريـش

ما السياسة ؟.. بقلم: يوسـف مريـش

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢ أغسطس ٢٠١٦

تتردد في الكتب والدراسات والمقالات الكثير من المقولات والاصطلاحات والصيغ التي في أغلب الأحيان تحتاج إلى معرفة مسبقة بمعناها ومضمونها أو مراجعة بعض القواميس. ومن هذه المفاهيم والأفكار ما هو فلسفي واجتماعي وتاريخي. ومنها ماهو سياسي أو اقتصادي. وقد اخترت من هذه المفاهيم المفهوم السياسي. الذي يتحدث فيه الكثيرون. من دون معرفة حقيقية لهذا المفهوم. ولذلك نقول ما السياسة:
 السياسة هي مشاركة المواطن في تقرير الشؤون العامة. وهي فن وعلم عملي بتحريك البشر والأشياء.
 "إن الفن السياسي بصورة رئيسية هو القدرة على اتخاذ القرار. بمعنى أنه يتطلب التمتع بملكة الحدس. حدس التدبير الذي يبدو أكثر ملاءمة. كما يتطلب الشعور بالمسؤولية قبل ما يتصدى للدفاع عنه".
والسياسة عند مكيافيلي فن عقلاني. يتجلى في القدرة على استثمار وتوظيف وحشد طاقات الأمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والطبيعية من أجل بناء مجتمع متقدم. والسياسة في مفهوم مكيافيلي فن وضعي كذلك، بمعنى أنها ترفض كل مناقشة حول القيم والغايات.
 والسياسة علم عملي، إذ هناك صلة بين المعرفة والسلطة إلى توحيد غاياتهما عن طريق الاعتراف الاجتماعي بالحقيقة العلمية، وأن الصلة الإجرائية للعلم الحديث تجعل لغة النظرية لغة سياسة، إلا أن السلطة أيضاً وسيلة العلم في ازدهاره، ولكي تحوز غايات العلم على دعم الدولة يجب أن تتماثل مع غايات المجتمع.
السياسة لا تعني العمل الدبلوماسي المجرد أو التكتكة الآنية لتحقيق غاية عارضة أو مكسب مؤقت. وإنما هي فن الحشد والتنسيق. وحسن التدبير وإقامة التوازن على صعيد التطور في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والحضارية. والاستفادة من البشر والأشياء والمواد، وذلك بتوجيهها توجيهاً دقيقاً. يرفع عجلة التقدم إلى الأمام.
 السياسة تعني تدبير شؤون الأمة، أو هي الشكل الذي يتحقق فيه تاريخ أمة بين تعددية الأمم. وهي القدرة العظيمة للحفاظ على الأمة داخلياً استعداداً للأحداث الخارجية. وهذه عي العلاقة الطبيعية بين السياسة الداخلية والخارجية.
 إن السياسة هي عملية الفعل في الواقع أو الموضوع. فالمطلوب من السياسة معرفة الواقع ولمسه حسياً، ثم تناوله كموضوع وهدف للعمل من أجل تغييره أو إصلاحه أو تناوله يعيد الهدم بهدف إعادة بنائه من جديد على ضوء ما تتطلبه ظروف التطور والتحول في كل مرحلة من مراحل التاريخ.
السياسة تشكل فعالية مستقلة نسبياً عن الاقتصاد. إذ هناك علاقة جدلية بين البنى التحتية والسقف السياسي، فالسقف السياسي ليس إفرازاً ميكانيكياً للبنى التحتية. وإنما هو حصيلة تفاعل خلاق بين الطبقة السياسية وقاعدتها المادية. لأن السياسة في المحصلة الأخيرة قوة تسعى لقلب البنى القديمة التي تعيق عملية التطور، فمن دون طبقة سياسية أو نخبة ثورية لا يمكن أن يحصل تقدم نحو فتح طريق لصيرورة ثورية قومية ديموقراطية.
السياسة قدرة على استثمار الزمن وحشد الإمكانات وإثارة اليقظة والوعي لدى الشعب. وتصليب إرادته وحثه على الانضباط والتنظيم. والسياسة ليس العمليات الحسابية البسيطة. بل هي الرياضيات العليا. كما أن السياسة تكثيف لحركة المجتمع وتوازناته وميوله وإيديولوجياه. والمصالح التي تصطرع فيه ولا تكون السياسة تقدمية، إلا إذا استهدفت تحريك وتوعية القوى الساحقة الواسعة من الشعب كالعمال والفلاحين والمرأة.
السياسة ليس الحقد ولا الرياء، ولا التزلف ولا الكذب ولا طمس الحقائق ولا تزوير التاريخ. ولا قلب الأبيض أسود. بل إن السياسة هي الحوار العقلاني والإيجابي مع كل الفرقاء والمعارضين، هي المعارضة والصدق والتواضع والاعتراف بنسبية الحقائق وإيثار المصلحة العامة الوطنية على المصلحة الخاصة، وهي الثقة المتبادلة بين الحاكم وبين المحكوم القائمة على احترام الشعب والرأي العام.

أمين سر أمانة دمشق للثوابت الوطنية