أحزاب بلا تاريخ.. بقلم: يوسف مريش

أحزاب بلا تاريخ.. بقلم: يوسف مريش

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٧ يوليو ٢٠١٦

كم هي بالغة الصعوبة أن تكتب في هذا الزمن الذي يمور بالحركة والتغيير غير المتوقع، وأن تقول حكمك في وقت "تتغير فيه الأحكام بتغيير الأزمان" أكثر من أي زمن آخر.
 وكم هي شاقة رؤيتك حول قضايا المجتمع العربي المعاصر. الوحدة والحركة والتحرر والتقدم. في أوان الانهيار الذي نراه يفقأ العين ويجرح الفؤاد. ويلقي ظلالاً من الارتياب والوعي.
 إن التغير قانون دائم والمشكلات حولنا لا تنتهي. وعلى الواقعي المؤمن بقضايا أمته إدراك واقعه والنضال دائماً من أجل تغييره.
 الناس في سورية كلهم يعملون في السياسة عرفوا هذا أم لم يعرفوه. فالسياسة هي التكييف الأعمق لحياة الناس ومصالحهم. وكل ما نراه من ألوان وأشكال الفنون والآداب والثقافة والتدين. خمار جميل أو قبيح يغطي الجوهر السياسي للعلاقات القائمة بين الناس.
 في بلادنا سورية. مضت أكثر من ثلاثة عقود. لم تكن الحياة السياسية تعيش حالة من التنوع الفكري. بل كانت ذا لون واحد يفرضه حزب البعث العربي الاشتراكي. بالرغم من ولادة الجبهة الوطنية التقدمية التي تضم عدداً من الأحزاب ذات التاريخ العريق سياسياً وفكرياً ونضالياً.
 وكان القائد الراحل حافظ الأسد. وكما أعتقد يرغب أن تكون هذه الأحزاب المشاركة في الجبهة الوطنية التقدمية أن يكون لها دور إيجابي فاعل. لكنها لم تكن كذلك في طموحها السياسي الوطني بل بقيت في موقع التابع.
 وفي مسيرة الشعوب نحو بناء حاضرها ومستقبلها. في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي جميع مجالاتها وقطاعاتها. توجد مرتكزات. بعضها قد يبدو مضيئاً في بدايته ومن ثم يخبو مع مرور الزمن لعدم جدواه. ليبقى في ذاكرة من ساهم في صنعه وتنتهي بانتهائهم. وبعضها الآخر وإن اختلفت الآراء في بداياتها أو أسباب وجودها تصنع التاريخ وتزداد مضاءً مع مرور الزمن. وتترسخ جذورها لتغدو تجربة رائدة لا على الصعيد المحلي. بل تنطلق إلى العالم الأوسع.
 لذلك فإن التناقض الرئيسي في سورية كان منذ عام /1920/ بين السلطة الفرنسية الاستعمارية المباشرة من جهة. وقوى الاستقلال الوطني من جهة أخرى. حيث أخذ هذا التناقض أعنف أشكاله في الفترة الممتدة بين عامي (1920- 1928) عندما تجلى بثورات مسلحة ضد المحتل أبرزها ثورة /1925/ الأمر الذي اضطرت فيه سلطات الاحتلال إلى إقامة نظام سياسي ذي شكل دستوري منذ عام /1928/ وقد أدى وجود دستور ورئيس للجمهورية ونظام برلماني إلى انتقال هذا التناقض من صيغته ككفاح شعبي بصورة انتفاضات مسلحة مركزها الأرياف وقوامها جماهير الفلاحين إلى صيغته كصراع سياسي مركزه المدن وقوامه جماهير أبنائها. وكان ذلك بداية تبشر بالانتقال من الثورات العفوية غير المنظمة إلى العمل السياسي العقائدي.
 تولت قيادة هذا الصراع السياسي في الثلاثينات من الجانب الوطني مؤسستان رئيسيتان هما "عصبة العمل القوي" و"الكتلة الوطنية" وإذا كانت هاتان المؤسستان الرئيسيتان السياسيتان في مرحلة الثلاثينيات. فإن هذه المرحلة نفسها شهدت بداية ظهور تنظيمات سياسية جديدة بين المتعلمين والمثقفين خاصة بين أبناء الطبقة الوسطى في المدن تمثلت في حزبين جديدين هما. الحزب الشيوعي السوري، الذي كان موحداً مع الحزب الشيوعي اللبناني. والحزب السوري القومي الاجتماعي.
 في هذه الظروف التاريخية المحلية والعربية والدولية. الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الدقيقة والصعبة. ظهرت "حركة البعث العربي" وطرحت شعارها الأساسي "أمة عربية واحدة- ذات رسالة خالدة".
وهكذا كان أول ظهور حزبي في سورية على الشكل الآتي:
أ- الحزب الشـيوعي السـوري. وكما هو معروف تأسـس في 28/10/1924 وفي السـنة نفسـها تـم قبوله عضواً في الأممية الشيوعية. وكان لهذا الحزب الناشئ برنامج سياسي وفكر سياسي. تمثل مشـروعه السياسي في العمل على تحقيـق هدفـه في تكوين الأمميـة الشيوعية العالمية. المناهضة للرأسمالية الجشعة ومن ثم تحقيق وحدة الطبقة العمالية.
ب- الحزب السـوري القومي الاجتماعـي. الذي تأسـس في 16/10/1932 وكان مشـروعه السياسي تحقيق وحدة الأمـة السـورية. أي سـورية الطبيعيـة وتشـمل "سـورية- لبنـان- الأردن- فلسـطين" وغايته بعث تحققه سورية قومية اجتماعية. تكفل تحقيق مبادئـه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها.
ج- حـزب البعـث العربـي الاشــتراكي. تأسـس مـع انعقـاد مؤتمـره التأسـيسي الأول فـي /4/ نيسـان /1947/ حيث عقـد مؤتمـره التأسـيسي الأول في مقهـى الرشـيد الصيفـي في شــارع /29/ أيار.
وصدر البيان الختامي في /7/ نيسـان /1947/ وأعلـن إقـرار دسـتور حركـة البعث العربي التي أصبحت حزبـاً سياسـياً. وكان مشـروعه السياسـي الذي طرحه على الملأ. هو تحقيق وحدة الأمة العربية.
إذاً لقد طرحت هذه الأحزاب السياسية الثلاثة مشاريعها السياسية، ومن ثم فتحت باب الانتساب إليها. وهذا كان قبل الإعلان عن تأسيس هذه الأحزاب خلافاً لما شهدته الساحة السياسية السورية مع بداية عام /2012/ من ظهور أحزاب جميع أعضائها من المقربين والمشترين بالمال.
 وخلال الأحداث التي شهدتها الساحة السورية. وصدور العديد من المراسيم والقرارات الإصلاحية في سورية. وبعد غياب دام عقوداً لم يتم الترخيص لأي حزب سياسي في سورية. ما عدا أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي يعتقد بأن أكثرها لا يملك أي ترخيص.
 ولذلك فقد صدر المرسوم رقم /100/ تاريخ 3/8/2011، المتضمن السماح لوزارة الداخلية السورية بالترخيص للأحزاب السورية المستوفية الشروط استناداً للائحة التنفيذية الصادرة عن رئيس مجلس الوزراء بالقرار رقم /12793/ تاريخ 11/9/2011.
والالتزام بالمادة /5/ ومتمتعين بالشروط المنصوص عليها في المادة /13/ من قانون الأحزاب والمادة /16/ من لائحته التنفيذية.
 في الأشهر الأولى من عام /2012/ ومن دون أي مقدمات وخلافاً لكل الأعراف في نشوء الأحزاب السياسية فوجئ الشارع السوري بظهور مجموعة من الأحزاب. انتشرت في طول البلاد وعرضها مثل الفطور في الأرض مع بروز عدد من الأسماء التي احتلت واجهات هذه الأحزاب من دون سابق إنذار وكأنها هبطت من السماء معلبة وجاهزة لا حياة فيها ولا روح. وبأسماء طنانة ورنانة مضمورة الشخصية والتاريخ والتجربة. وقدمت أوراق اعتمادها على أنها أحزاب وقوى سياسية معارضة مجهولة الهوية والتاريخ.
ونحن كسوريين كنا نتمنى أن تتشكل في بلادنا أحزاب سياسية بقيادات وطنية مشهود لها بالكفاءة السياسية والسمعة الطيبة من أجل أن تساهم في بناء سورية المتجددة على حوامل المشاريع السياسية التي قدمتها.
لكننا اكتشفنا أننا خدعنا في هذه المواليد الحزبية الجديدة التي تم الترخيص لها وهي عبارة عن دكاكين سياسية لا أكثر ولا أقل بقيادات تمارس المراهقة السياسية والانتهازية السياسية من دون مشاريع سياسية أو برامج سياسية في الشارع السوري. واللافت للانتباه أن هذه الأحزاب تتزعمها بعض السيدات. قدمن أنفسهن أمينات لهذه الأحزاب التي لا تتجاوز تعداد الأعضاء فيها المئات أو أقل.
إن الرئيس الراحل حافظ الأسد. كان أميناً عاماً لحزب البعث العربي الاشتراكي. وأنطون سعادة كان رئيساً للحزب السوري القومي الاجتماعي. وخالد بكداش كان أميناً عاماً للحزب الشيوعي السوري. وأنديرا غاندي كانت رئيسة لحزب المؤتمر الهندي الذي كان يضم مئات الملايين من الأعضاء.
فهل يحق لنا المقارنة......؟؟

أمين سر أمانة دمشق للثوابت الوطنية