من وحي نصيحة .. بقلم: د. اسكندر لوقــا

من وحي نصيحة .. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الأحد، ٢٤ يوليو ٢٠١٦

من المنغصات التي تلعب دوراً سلبياً في سياق العلاقات الاجتماعية، وقد تدمرها أحياناً، أن يمارس المرء دور ناقل الكفر وإن يكن ينطبق عليه المثل القائل بأن ليس كل ناقل كفر بكافر.
إن عادة نقل ما يُسمع أو يشاهد أو يُفهم، حتى إذا مورس هذا السلوك بنية بريئة، لا يمكن أن يندرج تحت عنوان البراءة مئة بالمئة. البراءة هنا، كل البراءة، أن يسدّ أحدنا أذنيه، وأن يغمض عينيه، وأن يكف عن القيام بدور ساعي البريد المغرض إن صح التعبير، أي أن يتبرأ من القيام بهذا الدور، حتى يتجنب الوقوف على عتبة الشك بمن هم حوله، وقد يكون بين هؤلاء حتى أقرب الناس إليه إذا ما بلغه شيء مما يمسّه بسوء، وإن يكن فيه قدر ضئيل من الحقيقة.
وتحضرني هنا نصيحة الجاحظ وفيها ما معناه ألا يذهب أحد مذهب من إذا رأى خيراً كتمه وإذا رأى شراً أذاعه.
في اعتقادي أن هذه النصيحة، قلما يأخذها الناس بعين الاعتبار بسبب من سلوك اعتادوا عليه، بينما هي، في واقع الأمر، أكثر النصائح قيمة، وخصوصاً في الأوقات التي يكون فيها المجتمع مهيأً للأخذ بما يسمع أو يشاهد، كما في حالة كارثة طبيعية حالة حرب على سبيل المثال.
في مثل هذه الحالة أو تلك، تكون النفوس مهيأة للتأثر بما يدور حولها، وغالباًما تقع فريسة الوشاية أو الشائعة، وبذلك يتمكن الخصم أو العدو من تحقيق أهدافه، بمعنى جعل الناس يستسلمون لتبعات ما يعرف بالحرب النفسية. هذه الحرب، بحد ذاتها، حين تشن على الآخر استناداً إلى أرضية هشّة كالجهل وضعف الإيمان بالذات، تكون حرباً مدمرة، ولكن ليس على غرار تدمير منزل أو حي أو مدينة، ولكن على غرار تدمير العقل والإرادة والثقة بالنفس.
وفي نصيحة الجاحظ، كما نلاحظ، جدوى من عدم الذهاب مع من يرى شراً ويذيعه، لأن رأيه قد لا يكون رأياً صائباً أو موضوعياًأو يستحق الأخذ به. وبالتالي، تأخذ هذه النصيحة مكانتها في الزمن الراهن، زمن ضرورة الفرز بين الحقيقة وعدمها، بين الصحيح والخطأ،لأن الزمن لا يتسع لاحتمال المزيد من عوامل التفرقة بين الناس في داخل مجتمعهم.
iskandarlouka@yahoo.com