الحلم الروسي والأمن الأوروبي.. بقلم: جيرار ديب

الحلم الروسي والأمن الأوروبي.. بقلم: جيرار ديب

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٢ يوليو ٢٠١٦

ذكر ميخائيل غورباتشوف في إحدى مقابلاته الصحافية حول القمّة التي عقدها حلف شمال الأطلسي في العاصمة البولندية وارسو في حزيران 2016، أنّ «الخطاب في وارسو يصرح، عملياً، بنيّةٍ لإعلان الحرب على روسيا.

فهم فقط يتكلمون عن الدفاع، لكنهم في الواقع يعدّون للهجوم». بينما عبّر الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ في مستهل القمة «إن الحرب الباردة شيء من الماضي، وإنها ستبقى من الماضي».
صحيح أنّ الحلف أعلن عن تطمينات في أكثر من رسالة للجانب الروسي، لكن الحق يقال إن الحرب الباردة لم تنته يوماً. والواقع يؤكّد أنّ روسيا أمام هجمة هي أشرس وأخطر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تمثّلت في تضييق الخناق العسكري والاقتصادي عليها، من خلال:
ــ نقل الحلف الكثير من المعدات العسكرية الاستراتيجية إلى الحدود الروسية مباشرة. حيث بدأ العمل في إنشاء قاعدة للصواريخ «آيجنس» المضادة للصواريخ البالستية في رومانيا.
ــ اعلان الحلف نيته بتعزيز أساطيله في البحرين الأسود والمتوسط، ونشر طائرات «أواكس» التي تحمل منظومات رادارية للسيطرة والتوجيه في أجواء تركيا.
ــ فرض عقوبات اقتصادية، من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أثّرت سلباً على الاقتصاد الروسي من حيث الاستثمار وهبوط العملة.
لقد كشفت الأزمة الأوكرانيا النوايا عند كلا الطرفين. فالحلم الروسي الذي برز بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين بعودة القيصرية الروسية إلى الساحة الدولية كلاعب رئيسي ومحافظ على مصالح بلاده لا يمكن تخطيه، بعدما انحجب هذا الدور إثر سقوط الاتحاد السوفياتي وإمساك الغرب زمام القيادة الدولية. في مقابل هذا الحلم، كان الحذر الأوروبي واضحاً من الجار – العدو الروسي، لذلك عمدت إلى تضييق الخناق عليه في محاولة منها لمنعه من التوسّع إقليمياً وحتى دولياً.
في ظلّ تسارع الأحداث وتطوّرها، تداركت القيادة الروسية خطورة الأزمة مع الغرب، فعمدت إلى:
ــ قراءة منطقية للعلاقة مع تركيا التي تعتبرها الخاصرة الرخوة لها في حربها مع الغرب. الأمر الذي دفع بالرئيس بوتين لرفع العقوبات الاقتصادية على تركيا. وتطبيقاً لهذا، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طائرة عسكرية تركية ستحلق بالأجواء الروسية في أحدث إشارة عن تحسن العلاقات بين أنقرة وموسكو.
ــ عدم التخلي عن منطقة الشرق الأوسط من خلال دعم النظام السوري بكافة قواها. لذا، تنتظر حاملة الطائرات الثقيلة الروسية الأميرال كوزنيتشوف الانتهاء من عمليات اختبار الجاهزية، لتنطلق أقوى الأسلحة الروسية المدمرة إلى الساحل السوري.
ــ التدخل العسكري في دول أوروبا الشرقية، منها العلني والمباشر كما في جورجيا وشبه جزيرة القرم، ومنها غير المباشر كالدعم المعنوي كما هو الحال في إقليم قره باغ.
إذاً، إنّه صراع الوجود وبسط النفوذ، وتحقيق المكاسب الاقتصادية والسياسية بينهما. لذا، فسياسة عضّ الأصابع على الصعيد الاقتصادي تبدو سيدة الساحة. فقد قدّر مركز البحوث الفرنسي في الاقتصاد الدولي (CEPII) خسائر الدول الغربية جراء العقوبات على روسيا بزهاء 60.2 مليار دولار. وخلص المركز إلى أن معظم الخسائر جاء نتيجة سياسة الغرب بفرضه عقوبات على روسيا، ولم تأت بسبب العقوبات الجوابية التي فرضتها روسيا على الغرب. فرداً عليها قامت روسيا بحظر توريد المواد الغذائية من الدول التي فرضت عقوبات عليها. وفي 29 حزيران 2016 وقع الرئيس الروسي مرسوماً يقضي بتمديد العقوبات الجوابية الروسية حتى 31 كانون الأول 2017.
في سياق آخر، قالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل في وقت سابق «إنه يمكن تحقيق الأمن الدائم في أوروبا عبر التعاون مع روسيا وليس بمجابهتها». وقد انتقدت سياسة موسكو بشأن الأزمة الأوكرانية مشيرة إلى أنها أثارت القلق العميق لدى دول شرق الـ«ناتو».
صحيح أنّ المشهد الدولي بين الغرب وروسيا لا يطمئن إلا أن وقوع حرب عالمية ثالثة يبقى من سابع المستحيلات. وهذا ما عبّر عنه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، في مقابلة مع صحيفة «كوموسولكايا برافدا»، أنه يستبعد خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة مع الغرب، معتبراً أن «دول العالم ما زالت تتذكر جيداً فظائع الحرب العالمية الثانية».
أخيراً، ستبقى الساحة الدولية مفتوحة على أكثر الاحتمالات. والحرب الباردة لا شكّ أنها لم تزل قائمة، ولا شكّ أيضاً أن الدول النامية هي مسرح الصراعات الدولية، وتدفع الثمن عبر التهجير والقتل والتدمير.