سؤال عن رعب الصدام ورعب التسويات في سورية..بقلم: إيهاب زكي

سؤال عن رعب الصدام ورعب التسويات في سورية..بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأحد، ١٠ يوليو ٢٠١٦

رغم أن الكذب عقيدة سعودية إعلامية وسياسية، إلا أني أصدق تحقيقات داخليتها التي أثبتت أن السعودي نائر النجيدي الذي فجر نفسه في محيط الحرم النبوي مدمن مخدرات، وهو ما تعتبره الداخلية السعودية دليلًا جيدًا لتبرئة الوهابية من الجريمة، ولكنها من باب آخر تعطي صورة واضحة عن نتاج اختلاط السلفية المزيفة بـ"الكبتاغون" الأصلي، وهما أكثر ما تشتهر المملكة بتصديره واستيراده أكثر من النفط، فـ"كبتاغون" أصلي زائد سلفية مزيفة يعطينا وهابية صافية. ثم يأتي اتهام إيران وسوريا بالوقوف خلف نشأة تنظيم داعش وأفعاله دليل أكثر وضوحًا على تعاطي هذا المزيج حد الإدمان، رغم أن داعش لم يتبنَّ حد كتابة هذه السطور جريمة الحرم النبوي، ولكن أيًا كان فاعلها فلا فرق بين جهة داعشية أو جهة أميرية أو ملكية أو شبه ملكية سعودية، فكلهم في الوهابية سواء، وهذا بعكس ما تمارسه بريطانيا الأب الشرعي للوهابية كمذهب وللسعودية كمنظومة تحكم، والتي تبنت تدمير العراق مع الأسف والندم الشديدين على مقتل 197 جنديًا بريطانيًا، فلو حصل التدمير دون وقوع هؤلاء القتلى لكان طوني بلير ريتشارد العصر.
ولكن من عجائب المفارقات أن هناك ضحايا لا يزال نصل السكين مغروسًا في رقابهم يتصدون للدفاع عن أمريكا وبريطانيا، فيقول عبدالإله رسن المدعي العام بمحكمة الإستئناف في بغداد تعليقًا على تقرير لجنة التحقيق البريطانية "أرفض تقرير تشيلكوت لأنه يشكك في شرعية الحرب لإزالة الديكتاتور، صحيح أن الحرب كلفت العراقيين كثيرًا، لكن يجب على العراقيين أن يشعروا بالامتنان للولايات المتحدة وبريطانيا لأنهم منحوا العراقيين ما حُرموا منه منذ الولادة، ألا وهو الحرية والديمقراطية". هذا مثالٌ من عشرات الأمثلة التي تسبح ليل نهار بعطايا القاتل، وبالعادة فإنّ التقارير التي يصدرها القتلة في قالب الشفافية والديمقراطية هي الأشد وقاحة وجرمية، على غرار تقرير فينوغراد الذي اثبت عدم جودة القتل حيث ارتعاش يد القاتل، فـ"الجيش" الذي لا يُقهر لم يعد قادرًا على القتل والتدمير كما ينبغي. وقبل أن أورد مقاربة تاريخية قد تضعنا على أول درجة لسلم الأولويات الذي أضاعه المتشدقون بالحريات واستبدلوه بسلم الهاويات، أود التعبير عن قناعة راسخة، بأن العراق سيظل نازفًا طالما استمر دستور المحاصصة لـ"بول بريمر" هو شرعية الحكم، فما بني على باطل فهو باطل، والآن في الحرب العالمية الأولى حاولت بريطانيا انتزاع العراق من الدولة العثمانية، وهنا قد يثور الجدل العقيم مجددًا حول توصيف طبيعة السلوك البريطاني، فقد يراه الثوريون الجدد تحريرًا كما يفعلون الآن مع الاحتلال الأمريكي والبريطاني أو صداقة وحرصًا على الشعوب العربية كما هو الحال في سوريا.
في معركة كوت العمارة بالعراق اثناء الحرب العالمية الأولى، وفي خضم محاولة بريطانيا "تحرير" العراقيين، قامت القوات العثمانية بمحاصرة الجيش البريطاني لأكثر من ستة أشهر مع معارك طاحنة، ولم تُجد كل الإمدادات والمحاولات البريطانية لفك الحصار وإنقاذ عشرات الألوف من الجنود المحاصرين فاضطرت للتفاوض، وفي محاولة أخيرة لفك الحصار قامت بريطانيا بعرض 2 مليون جنيه لتركيا، لكن تركيا رفضت العرض كما يقول المؤرخون استمتاعًا بالذل البريطاني، وبعد فشل كل المحاولات التفاوضية والعسكرية قام الجنود البريطانيون بإعدام أسلحتهم وإعلان الاستسلام دون شروط، فكان القرار العثماني بتكريم القائد البريطاني تاونشيند وإرساله ليعيش مكرمًا في القسطنطينية، وأما بقية الجيش فقد تم إرساله في مسير مهلك إلى بغداد على بعد 100 ميل ثم مسير أشد إهلاكًا إلى القسطنطينية على بعد 500 ميل ليتم إخضاعهم لسخرة العمل في الأعمال الشاقة كمشاريع السكك الحديدية وقليلٌ منهم من بقي على قيد الحياة. فماذا لو تمكن الجيش العراقي -جيش صدام- من محاصرة القوات الأمريكية والبريطانية واذلالها، وبالتالي فشل عملية "التحرير الاحتلال الانتزاع الغزو الدمقرطة" كيف سيكون مضمون تحقيق شيلكوت. حتمًا سيتضمن نصب مشانق بلير وطاقمه، لأنه فشل في التعبير عن جودة القتل البريطاني، والأهم كيف سيتغير مسار الأحداث التاريخي الذي أوصلنا إلى عين الجحيم، وهل كان من الممكن قيام تحالف بين إيران وصدام بدلًا من تحالف عزت الدوري داعش.
تقوم ما تُسمى بـ"الثورة" السورية ومنذ التدليس الأول أظافر أطفال درعا، بالإلحاح الشديد على الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وحتى "إسرائيل" وكل ما يسمى بـ"أصدقاء الشعب السوري" لغزو بلادهم وتدمير جيشها ومؤسساتها، وتحويل الحرب إلى حرب مباشرة وبيد الأصيل لا الوكيل، والآن يتم تكرار الضغط الغربي على روسيا للضغط على الرئيس الأسد لوقف عمليات الجيش السوري في حلب، حيث طالبت واشنطن موسكو بممارسة الضغط على الأسد لوقف تقدم الجيش السوري في حلب، وكان الضغط ناجحًا في المرة الأولى حيث استطاع الإرهاب إعادة ترتيب صفوفه وتدفقت عليه الأسلحة والمقاتلين واستعاد بعض النقاط المحررة، فهل سيكون كذلك هذه المرة؟ وهذه المناشدة الأمريكية تزامنت مع تعمد اجتماع حلف الناتو في وارسو بكل ما يحمل من دلالات وإصرار غربي على استصغار روسيا وتوجيه الرسائل الاستفزازية والمهينة، والملاحظ أن كلا الطرفين روسيا والناتو ينفيان التوجه نحو حربٍ باردة والسعي لذلك، فهل القصد أنها ستكون حرب ساخنة؟ الحقيقة أنه على مدى عمر العدوان على سوريا تجنب العالم الصدام الدولي المباشر أكثر من مرة، أبرزها وقت اتفاق نزع السلاح الكيماوي السوري وهدنة حلب الأولى، وما إعلان الجيش السوري تمديد هدنة حلب إلى 72 ساعة إضافية إلا إحدى محاولات التروي قبل إشعال فتيل جهنم، فحتى الآن لا شيء يمنع اشعالها سوى الرعب المتبادل، فهل يصبح تضارب المصالح أشد رعبًا أم أن التسويات ستكون كذلك، الخلاصة أن رعب التسويات على جثة الجغرافيا أشد رعبًا من ذهاب العالم مجتمعًا للجحيم ونحن في طليعته، ولا ضير أن نكون نحن من يأخذه.
بيروت برس