من «الكرادة» إلى «حلب»: هل ينقذ السوريون الاتحاد الأوروبي؟

من «الكرادة» إلى «حلب»: هل ينقذ السوريون الاتحاد الأوروبي؟

تحليل وآراء

الأحد، ١٠ يوليو ٢٠١٦

من تفجير الكرادة في العراق إلى الجرائم التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية بحق المدنيين الأبرياء في حلب خلال اليومين الماضيين، تبدو دماء الأبرياء في هذا الشرق الدامي واحدةً، ففي الوقت الذي يصر فيه أعداء الإنسانية على تعويم وتسويق فكرة الصراع المذهبي في المنطقة، تكاد أشلاء الضحايا ودماؤهم تصرخ في وجوههم لتؤكد المؤكد أن الصراع هو صراع بين الإنسانية والتوحش، بين القادمين من خارج التاريخ وأبناء الحضارة وبناتها.
لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فهناك أيضاً ما يستحق الوقوف عنده من خلال طبيعة الهجمات التي يقوم بها الإرهابيون هنا وهناك، بما يتعلق بتفجيرات «الكرادة» بات واضحاً أن المادة المستخدمة فيه ليست مجرد عبوات ناسفة ذات تصنيع محلي، بل هناك مواد غير تقليدية استخدمت، ليس الدليل على ذلك تفحم معظم الجثث فحسب، لكن احتراق المباني دون تأثر الهياكل الإسمنتية تثبت هذه الفرضية، والسؤال هنا: من أين جاء الإرهابيون بهذه المواد؟ هل سنعود للحجة المملة بأنهم حصلوا عليها من خلال السيطرة على بعض مواقع الجيش العراقي؛ تماماً كما استولت «داعش» على أسلحة ومعدات من بينها طائرات من دون طيار خلال هجوم ما يسمى «قوات سورية الجديدة» الفاشل على «البوكمال»، أم إن توقيت التفجير المتزامن مع تفجيرات كاريكاتورية ضربت مملكة «آل سعود» كان هدفها إشغال الجميع وإفهامهم أن المملكة ضحية كغيرها للإرهاب وصرف الأنظار عن المأساة التي خلفها التفجير أولاً والفاعل الحقيقي ثانياً.
أما في حلب فلا يختلف الأمر كثيراً، فالتدقيق بحجم الضحايا لم يعد مؤشراً لنوعية الأسلحة المستخدمة في القصف، تحديداً أن الصواريخ أصابت شوارع مكتظة بالمدنيين، خرجوا ليسرقوا مع فلذات أكبادهم فرحة العيد من وجع الحرب. لكن الحجم الهائل للدمار الذي تخلفه تلك الصواريخ يشي لنا بالكثير؛ فهي ليست مجرد قذائف صاروخية أو «مدفع جهنم»، بل هي صواريخ يبلغ مداها عشرات الكيلو مترات، وبقدرات تفجيرية ضخمة تجعل مباني المدنيين تتساقط كقصور الرمل على شواطئ الألم، أي إنها الهدايا التي يقدمها عرابو الجماعات الإرهابية في سورية لأدواتهم؛ أو بمعنى أدق هي الأوراق الأخيرة التي يلعبونها بعد أن أوجعهم تقدم الجيش العربي السوري والحلفاء في أرياف حلب واللاذقية ودمشق. أكثر من ذلك فإن ما يجري تحديداً في حلب يؤكد أن الأحاديث عن التراجعات التركية في الملف السوري هو حديث الأمنيات التي تكذبها الوقائع، فلا الولايات المتحدة ستسمح بالمدى القريب بتراجع كهذا، ولا الأتراك ذات أنفسهم سيتخلون عن حلم حلب بهذه السهولة، لدرجة ظهر فيها «أردوغان» ليبشرنا بأن سورية ستمحى عن الخريطة قريباً، كما بشرنا يوماً بأنه سيصلي في «المسجد الأموي»، لكن بين هذا وذاك بدت إرادة القيادة السورية والحلفاء على الأرض بكسر عقدة حلب نهائيةً؛ فهل هي حقاً معركة حلب الكبرى، أم إن ما يجري هو تكتيك عسكري لاستثماره في السياسة؟
دائماً ما يكون الهدف من أي هدنة أو وقف إطلاق نار هو حقن الدماء تمهيداً للمصالحات. عندما نقول حقن الدماء لا نقصد فقط أولئك الراغبين بترك الجماعات الإرهابية مع إيماننا الكامل بأن من يرد العودة فقد عاد، لكن الأمر مرتبط أيضاً بقوات الجيش العربي السوري والحلفاء انطلاقاً من فرضية أن لا حرب من دون خسائر بمعزل عن قدسية ما ندافع عنه فالخسارة خسارة. بعد أن أسقط الإرهابيون وداعموهم اتفاق وقف العمليات القتالية ورفضهم الانفصال عن جبهة النصرة، لجأ الجيش والحلفاء لما يجري حالياً في حلب، بمعنى آخر هو أقل من معركة كبرى وأكثر من مجرد حصار للإرهابيين في مناطق سيطرتهم. إن الإطباق على محور «الكاستيلو» سيجبر الإرهابيين ولو بعد حين إما على التفاوض للتسليم وإما على الخروج الأمن على طريقة «حمص القديمة». ما يعزز هذه الفرضية أن مناطق سيطرة المسلحين في الأحياء الشرقية يسهل عزلها جغرافياً وقطع طرق إمدادها، حتى إطلاق الصواريخ سيتوقف حكماً على المدى الطويل، وهذا يعزز إخراج ورقة حلب من يد الأميركي ثم التركي. من هنا نفهم الاستغاثة التي أطلقها أوباما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في حلب، أما التركي فصراخه سيكون أقوى؛ لأن هاجسه لم يعد خسارة ورقة حلب؛ بل خسارة ورقة لا تقل أهمية وهي الاتحاد الأوروبي والابتزازات المتبادلة بينه وبينهم، فكيف ذلك؟
قبل أن يخرج للعلن طبيعة الوفد الأمني السوري الذي زار إيطاليا بالأسماء، كان الرئيس الأسد قد تحدث لقناة أسترالية بأن هناك دولاً تفتح قنوات اتصال أمنية مع القيادة السورية، هذا التزامن بخروج حديث الانفتاح للعلن يجعلنا نطرح تساؤلات مهمة: إضافة لإيطاليا، من الدول التي فتحت قنوات الاتصال تلك؟ وهل بات قرار الاتحاد الأوروبي بيد العقلاء فعلاً، على الأقل حتى تجاوز هذه العاصفة التي تهدد وجوده؟
لاشك أن المخاوف الإيطالية تحديداً ليست بجديدة، بل بدأت في عام 2013 مع وصول داعش وسيطرتها على عدة مناطق في الساحل الليبي التي تعتبر الأقرب للسواحل الإيطالية. الأمر الآخر أن المشكلة الآن جماعية، فهناك إجماع بأن الهجرة هي أحد أهم أسباب الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي؛ أي إن المشكلة الآن باتت صراعاً يهدد وجود الاتحاد الأوروبي لدرجة جعلت مصدراً أمنياً أوروبياً يقولها صراحةً: هل ينقذ السوريون الاتحاد الأوروبي؟
إن الرغبة الأوروبية في لملمة ما يمكن لملمته باتت جديةً، حتى دولتا الصف الأول فرنسا وألمانيا أمستا كمستسلمتين للواقع. أما دول الصف الثاني فهي تدرك أن ما جرى في بريطانيا سيصيب الجميع تحديداً أن الكثير منها باتت انتخاباته على الأبواب وكلمة السر التي يحملها رافضو الاتحاد الأوروبي واحدة: سنطرح حال الفوز استفتاءً للخروج من المنظمة. أي إنهم أدركوا أن الاتحاد كمنظمة لم يعد يحتمل أي هزة أمنية أو سياسية جديدة، فكانت البوابة السورية بهدف الخروج من عنق الزجاجة، لكن حكماً هذه الانعطافة يشوبها العديد من التساؤلات أهمها:
أولاً: إلى أي مدى هناك جاهزية لدى القيادة السورية للتعاون وهي التي تعتبر بنكاً للمعلومات الأمنية، ربما ندرك أن القيادة السورية لن توفر جهداً بحفظ أرواح الأبرياء في أي مكان بمعزل عن العلاقة بالحكومات فالقصة مبدأ، حتى شرط عودة العلاقات الدبلوماسية يبدو تحصيل حاصل، الأهم هو رفع العقوبات الاقتصادية التي يدفع ثمنها المواطنون السوريون جوعاً وقهراً.
ثانيا: إلى أي مدى ستسمح واشنطن بهذا التقارب. قد يقول البعض إن هذا التقارب حدث بموافقتها، لكن قد يبدو الأمر أيضاً صحوةً أوروبيةً متأخرةً تقودها الدول العاقلة التي ما عادت تحتمل المغامرات المجنونة، فهل ستسمح الولايات المتحدة بالعزف المنفرد خارج جوقتها؟
ثالثاً: ما وجهة النظر الروسية؟ هل ستعتبره مساراً منطقيا تحديداً أن قمة الناتو الأخيرة بدت وكأنها تحصيل حاصل ولم تحمل جديداً في تهديد الغرب للروس؟
رابعاً: إن ضياع ورقة ابتزاز الاتحاد الأوروبي من يد «أردوغان» ستجعله يفقد صوابه وعليه فإن المزيد من الجنون ينتظر الجبهات المدعومة من تركيا، تحديداً أن دخول مشيخات النفط على الخط الأوروبي لمنع هذا الانفتاح لن يجدي نفعاً فالأزمة هذه المرة أزمة وجود وليست أزمة استثمارات.
إذاً وفي الإطار العام يبدو أن الاتحاد الأوروبي عاد لصوابه؛ لكن الأمر ينتظر تخريجةً ما وهي حكماً لن تكون مرضيةً لجميع الأطراف؛ فمن سيكون كبش الفداء؟ ربما الجواب في المسار الذي ستنتهي إليه عملية حصار المسلحين في حلب.