موسكو في انتظار وارسو: كيف يكون الردّ؟..بقلم: هاني شادي

موسكو في انتظار وارسو: كيف يكون الردّ؟..بقلم: هاني شادي

تحليل وآراء

السبت، ٩ يوليو ٢٠١٦

تترقّب موسكو نتائج قمة «حلف شمال الأطلسي» في وارسو، التي ستُعقد في الثامن والتاسع من شهر تموز الجاري. ومن المفارقات أن هذه القمة تُعقد في العاصمة البولندية التي تأسس فيها «حلف وارسو» بقيادة الاتحاد السوفياتي في العام 1955، كردّ على إنشاء حلف «الناتو» في العام 1949. ومن المفارقات أيضاً أن هذه القمة تُعقد تحديداً في شهر تموز، وهو الشهر نفسه الذي شهد حل «حلف وارسو» رسمياً في العام 1991. وتخلع بعض وسائل الإعلام الغربية على هذه القمة صفة «التاريخية»، كونها ستُحدد كيفية تعامل الحلف مع ما يُسمى بـ «الطموحات التوسعية والعدوانية» لروسيا. وتتحدث صحف روسية عن قمة وارسو كمقدمة لــ «حرب عالمية ثالثة»، طالما سيُمثل «احتواء وردع» روسيا أحد أهم الموضوعات على بساط البحث فيها. ففي شباط 2016، وافق وزراء دفاع الحلف على تسريع تنفيذ خُطة تسمى «الدفاع في القرن الحادي والعشرين»، تهدف إلى ردع روسيا نتيجة لسلوكها في أوكرانيا وضمها للقرم وزعزعتها لنظام الأمن الأوروبي، وذلك بحسب صقور حلف «الناتو». ومن المفترض أن تُقر قمة وارسو هذه الخطة، وما تتضمنه من إنشاء مقار قيادة وترسانات جديدة للأسلحة في أوروبا الشرقية ومرابطة وحدات عسكرية أميركية أكبر في القارة الأوروبية، بهدف الضغط على موسكو، مع استبعاد مواجهة واسعة النطاق معها.
وتستند هذه الخُطة إلى قلق دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الحلف مما تُطلق عليه «الغزو الروسي» المحتمل بعد أحداث أوكرانيا والقرم وسوريا. وفي إطار مخططات «الناتو» لردع الروس، من المفترض أن تُقر القمة نشر أربع كتائب عسكرية للحلف في أوروبا الشرقية، لتعزيز وجود «الناتو» في بولندا وجمهوريات البلطيق، لاتفيا وليتوانيا واستونيا، وذلك على مقربة من الحدود الروسية. وسيصل تعداد هذه الكتائب الأربع في هذه البلدان نحو 4 آلاف عسكري، وستكون تحت قيادة الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وكندا. وكانت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» قد أعلنت في نهاية 2015 عن تخصيص 3.4 مليارات دولار لنشر لواء إضافي وأسلحة وآليات حربية للولايات المتحدة بالقرب من حدود بولندا مع مقاطعة كالينينغراد الروسية.
استعراض عسكري على الجانبين
في غالب الظن، ستؤكد قمة وارسو أيضاً على مواصلة الحلف نشر وتشغيل الدرع الصاروخية، التي تعتبرُها روسيا موجّهة ضد أمنها القومي. ففي الثاني عشر من أيار المنصرم، جرى نشر أول 24 صاروخاً من الصواريخ الاعتراضية المكوّنة للدرع الأميركية الأطلسية الصاروخية في رومانيا. وتمّ الاحتفال في اليوم التالي بوضع الحجر الأساس لقاعدة صواريخ مماثلة في شمال بولندا، من المفترض أن تُنشر فيها صواريخ اعتراضية متوسطة المدى. وترفض موسكو بشدة رغبة عدد من دول أوروبا الشرقية في نشر منظومة الدرع الصاروخية الأميركية الأطلسية على أراضيها، انطلاقاً من أن هذا يستهدف تقويض قوة الردع النووي الروسي. وترفض أيضاً ما تردده واشنطن من أن الدرع الصاروخية تستهدف صواريخ إيران وكوريا الشمالية، ولا تستهدف روسيا. إن قمة حلف «الناتو» في وارسو ستُظهر، كذلك، مواصلة دعم الحلف لأوكرانيا وجورجيا من دون منحهما العضوية في صفوفه، بجانب بحث ملف تكثيف النشاط العسكري لأعضاء الحلف في البحر الأسود.
لقد شهدت الفترة السابقة على عقد قمة وارسو مناوشات عديدة بين الحلف والولايات المتحدة من ناحية، وبين روسيا من الناحية الأخرى. وجرت هذه المناوشات على مستوى التصريحات الرسمية، وعلى مستوى الجو والبحر، خاصة في منطقة البلطيق. كما شهدت هذه الفترة مناورات عسكرية للجانبين، كانت مصحوبة باتهامات من كل منهما في حق الطرف الآخر باتباع سلوكيات عدوانية. فقد اتهم حلف «الناتو» روسيا بالعمل على تخويف جيرانها بشتى الوسائل، معرباً كذلك عن قلق الغرب من زيادة الوجود العسكري الروسي في سوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط. من جانبها، تتهم موسكو، على لسان مسؤوليها الكبار، الحلف بالعمل على حصارها وتهديد أمنها القومي بتعزيز وجوده العسكري في وسط وشرق أوروبا. وأجرى الحلف مناورات ضخمة في بولندا بمشاركة أكثر من 30 ألف عسكري، كما أجرى مناورات أخرى في أستونيا بمشاركة 6 آلاف عسكري يمثلون 11 دولة. وجاء الرد الروسي سريعاً بإعلان وزارة الدفاع الروسية أن روسيا ستتخذ عدداً من الإجراءات لمواجهة زيادة قوات «حلف شمال الأطلسي» على مقربة مباشرة من الحدود الروسية، ومنها تشكيل فرقتين عسكريتين جديدتين في المنطقة العسكرية الغربية، وفرقة ثالثة جديدة في المنطقة العسكرية الجنوبية قبل نهاية العام الجاري لمواجهة توسُّع «الناتو». كما أجرت روسيا مناورات عسكرية كبيرة باستدعاء الاحتياط داخل أراضيها للتأكد من الجاهزية القتالية. واقترح بعض نواب البرلمان الروسي نشر صواريخ روسية في كوبا لحماية مصالح روسيا وحلفائها. ولا يتعيّن استبعاد أن تقوم موسكو بنشر المزيد من قواتها ومعدّاتها العسكرية في مقاطعة كالينينغراد الواقعة في غرب روسيا، بما في ذلك صواريخ تحمل رؤوساً نووية.
حدود المواجهة
في ضوء هذه اللوحة المُعقدة بين «حلف شمال الأطلسي» وروسيا، لا بدّ أن يترتب على إقرار الحلف في قمة وارسو لخططه الرامية لاحتواء وردع روسيا المزيد من التوتر والمزيد من المناوشات. فالأمر، هنا، يتعلّق بمنافسة أو صراع على مناطق النفوذ في أوروبا وخارجها. ويُنتظر أن يظل الوضع في حدود المناوشات بين الجانبين ولا يصل إلى «حرب عالمية ثالثة»، طالما ظل الطرفان يعملان على تفادي المواجهة. ولذلك نجد كلاً من الحلف وموسكو يوافقان على عقد اجتماع جديد لمجلس «روسيا ــ الناتو» في الثالث عشر من تموز الجاري. لكن اجتماعاً مشابهاً كان قد عُقد في نيسان الماضي من دون تحقيق نتائج لتخفيف حدة التوتر بينهما، ولذلك تنتظر موسكو نتائج قمة وارسو حتى تتمكن من تحديد خطواتها المقبلة للردّ على خطط الحلف.