عقبات التجديد في الفكر العربي.. بقلم: د.عبد العليم محمد

عقبات التجديد في الفكر العربي.. بقلم: د.عبد العليم محمد

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٩ يونيو ٢٠١٦

الطريق إلى التنوير والحداثة والتقدم والمدنية، في العالم العربي تعترضه عقبات كثيرة، لا تحظى بالكثير من النقد البناء، أو بمحاولات متنوعة لتشخيص هذه العقبات بهدف تجاوزها، وصياغة نمط جديد للتفكير، يسوغ المضي قدماً في الأخذ بالدين الإسلامي الصحيح وشريعته السمحاء وبأسباب التنوير والمدنية بروح جديدة متحررة من الهواجس المبالغ فيها، ومن التردد والحذر المفرط.

أول هذه العقبات هي الاعتقاد الراسخ لدى الغالبية أن المفاهيم السائدة في العالم هي نتاج سياق حضاري وثقافي غربي يتعارض مع الخصوصية الحضارية والثقافية في مجتمعاتنا العربية، ومن ثم فهي غريبة عنا ولا تصلح لنا، علينا أن نعترف بأحقية الغرب وأسبقيته في اكتشاف هذه المفاهيم وصياغتها وبلورتها على النحو المعروف الذي أهلها للانتشار..

وللاقتباس في بيئات ومجتمعات غير غربية، أما في حالة ارتباط هذه المفاهيم بالسياق الحضاري الغربي، فالسؤال يتمثل في أن مكان وجغرافية الأفكار لا يدين هذه الأفكار بالضرورة، ولا يبين صحتها من عدمه، بل يتوقف الأمر على فاعلية هذه الأفكار وقدرتها على التأقلم وفائدتها الممكنة والمرجوة في تحقيق أهداف الجماعة الإنسانية..

وإضافة إلى ذلك فإن القول بغربية هذه الأفكار وغربتها عن عقولنا يتناقض مع تقاليد العقل الإسلامي في أوج ازدهاره عندما تعامل العرب والمسلمون مع أفكار واكتشافات الحضارات الأخرى غير الإسلامية الصينية والهندية واليونانية بروح إيجابية، ونقلوا عنهم وأضافوا إلى ما نقلوه وانتقدوا ما لا يلائم الحضارة الإسلامية..

وفي المقابل حظيت إسهامات الحضارة الإسلامية الفكرية والعلمية باهتمام الحضارة الغربية بل ودخلت هذه الإسهامات في صلب النهضة الغربية عبر دراساتها وتدريسها في دوائر التفكير والبحث والعلم، باختصار لأن الحضارات تتميز بقدرتها على التفاعل والتواصل بطرق وأساليب شتى طوعاً أو كرهاً، واعية أو لا واعية.

ثمة موقف يرفض الجديد ويكتفي بذاته ويتميز بالعزلة وعدم القدرة على الانفتاح والخوف من الجديد، والقول بارتباط هذه المفاهيم بالسياق الحضاري الغربي الذي لا يناسبنا..

فإن هذا الموقف ينطوي على التمسك بالخصوصية المفرطة والخوف الدائم على الهوية، من الذوبان والتماثل، وهو الأمر الذي ينطوي على فقدان الثقة في الذات وفي قدرتها على بلورة خطوط دفاع ومناعة، كفيلة بأن تجعل من الاقتباس والأخذ بالجديد قدرة متجددة على التطور والتقدم والثقة.

ومن أهم العقبات اعتبار ما جاء به السابقون من العلماء والمفسرين بمثابة القول الفصل في مختلف القضايا، وأن واجبنا لا يتجاوز الاسترشاد بما جاء به وإعادة قراءته وشرحه وإعادة شرحه.

وهذا الموقف ينطوي على الكثير من المشكلات، فهو أولا دعوة إلى وقف الاجتهاد والتفكير النقدي والاكتفاء باجتهادات السابقين، وهو ثانياً يسقط من اعتباره اختلاف طبيعة المشكلات والظروف التاريخية التي كان على اجتهادات السابقين مواجهتها..

وهي ظروف تختلف عن واقعنا نوعياً وكيفياً في عصر العولمة والاتصال والثورة العلمية والرقمية، ويتوجب علينا مواجهة ظروفنا المختلفة نوعياً باجتهادات معقدة ومبتكرة تلائمها وتعالج تداعياتها، وثالثاً أن هذا الموقف أي الوقوف عند اجتهادات السابقين يضفي على هذه الاجتهادات طابعاً مطلقاً ..

كما لو كانت تصلح لكل زمان ومكان ويمنحها القداسة في حين أنها بشرية نتاج ظروفها ونسبية، ذلك أن القداسة والإطلاق لا يحظى بهما سوى »القرآن الكريم« والأحاديث النبوية الصحيحة والمدققة، ولا يعني ذلك إسقاط اجتهادات القدماء أو تحميلهم مسؤولية ما لحق بالإسلام، بل يعني الإضافة والتجديد وفق مستجدات العصر.

وثالث هذه العقبات يتمثل في الاعتقاد بوجود »مؤامرة كونية« على الإسلام والمسلمين بهدف إزاحة الدين ومكانته في المجتمعات الإسلامية، والصحيح أن هناك فوبيا الإسلام في المجتمعات الغربية أي الخوف من الإسلام أو للدقة الخوف من الإرهاب، الذي يزعم انتسابه للإسلام، ولا يمكن القطع بعدم وجود هذه المؤامرة لأن التآمر بطبيعته سري..

كما لا يمكن أن ننفي أن ثمة بعض المستشرقين محرضون على الإسلام وكذلك بعض الأكاديميين، لكن السؤال المهم وبافتراض وجود هذه المؤامرة: ألا يدعو الأمر إلى مواجهتها من خلال دحض تجلياتها وافتراضاتها وتبيين طبيعة الإسلام وروحه السمحة، وبراءته من الإرهاب والتعصب والعنصرية ودعوته للسلام والوئام والمحبة والمساواة والكرامة الإنسانية والعدل عبر خطاب إسلامي معتدل وعقلاني!