ماذا يريد الروس والإيرانيون والأتراك والإسرائيليون الآن في المنطقة؟

ماذا يريد الروس والإيرانيون والأتراك والإسرائيليون الآن في المنطقة؟

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٤ يونيو ٢٠١٦

عباس ضاهر
لم يقدّم أحد أجوبة واضحة عما يجري في سوريا. كان ساد الاعتقاد عند توقيع الاتفاق النووي أن المنطقة دخلت في مسار سلام متين. اعتقد معظم المراقبين أن الولايات المتحدة الاميركية قادرة على ضبط موازين القوى الإقليمية والدولية وحدها. جاء التمرد السعودي، بالتوازي مع قفزات تركية فرضت كباشاً بين الادارة الاميركية وأنقره. ثم اتضحت شياطين التفاصيل في علاقة طهران بواشنطن، خصوصا إزاء تمسك السلطة الإيرانية المحافظة بمبادئها وتعنت المسؤولين الأميركيين في مسألة العقوبات. كانت تل أبيب تضغط سراً وتتحرك علناً لمنع توسّع نفوذ الجمهورية الاسلامية في سوريا والعراق واليمن من دون ضمانات لإسرائيل لن تقدمها ايران بطبيعة الحال.

سقط الخيار الأميركي الأحادي. تعزز دور الروس. باتوا الوحيدين القادرين على فرض توازن إقليمي-دولي. يقف الى جانبهم الصينيون وهم اعظم قوة اقتصادية عالمية صاعدة. الم يشكر الرئيس السوري بشار الاسد هؤلاء معاً في آخر إطلالة له؟

مصر اكتشفت مبكرا الاندفاعة الروسية وسارعت الى ربط علاقة استراتيجية بين القاهرة وموسكو مجددا. ايران تباينت مع الاتحاد الروسي حول بعض الملفات، لكنها نظمّت العلاقات مع موسكو على قاعدة معالجة تلك الملفات بالمفرق والتعاون حيث تقتضي المصالح ذلك، كما الحال في سوريا والعراق.

أولوية الروس محاربة التطرف الاسلامي الذي يهدد دول اتحادهم وعواصم العالم. لم تميز موسكو بين تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" أو أي فصيل آخر ينتمي لنفس المدارس الإسلامية المتطرفة. كل من يبدي استعداده للتعاون مع الروس في هذا المجال سترحب به موسكو. ومن هنا جاء وضع العناوين العريضة للتعاون "مع الشركاء"-تقصد بهم روسيا الدول الغربية.

هذا هو جوهر الموقف الروسي بشأن سوريا والعراق. نفس تلك العناوين تنشدها طهران ولكن لكل منهما ضوابط ورؤى ومصالح استراتيجية. لا يهم بالنسبة الى الإيرانيين ضرب "الاسلام السياسي" الذي يشكلون أحد أوجهه المعتدلة. طهران تريد المحافظة على الحالة "الاخوانية"، لذلك اختلفت مع مصر - السيسي. لكن تطور الاحداث عدّل قليلاً من موقف الإيرانيين الذين كانوا راهنوا على "صحوة اسلامية" معتدلة.

التباين المضبوط بين طهران و موسكو لا يقتصر عند هذه الحدود. لا تريد ايران التنازل في القضية الجوهرية "لمحور المقاومة" اي فلسطين. هذه مسألة غير قابلة للمساومة بالنسبة الى طهران. بينما تعتبر موسكو ان المخاطر الإرهابية أولوية تتعدّى الموضوع الاسرائيلي بعد تمدد التطرف الاسلامي على مساحات عابرة للحدود العربية والإقليمية والدولية. تحاول روسيا القول: ان تلك المخاطر تقتضي التفرغ لمواجهة مفتوحة لا تقتصر على ساحة سورية. هي تشير الى توسع المجموعات "الداعشية" و"القاعدية" في المغرب العربي وإفريقيا والعراق وسوريا، وبوضوح نحو الأردن، ووصول تلك المخاطر الى اوروبا بوجود خلايا نائمة خطيرة جداً تتحرك بين الحين والآخر.

لا تريد موسكو فرض تغيير المبادئ "لمحور المقاومة" ولا تغيير قناعاتهم بالقوة او عبر اضعافهم في ساحات الصراع. هي تريد اجراء تسوية سياسية في الشرق الاوسط تكون موسكو ضابط التوازن والحَكَم فيها. فما هي العناوين المطروحة؟

في الأسابيع الماضية غازلت انقره موسكو كمؤشر تركي للقبول بالحَكَم الروسي في المنطقة بعد رفض الرئيس التركي رجب طيب اردوغان سابقاً اي دور ريادي لموسكو في المنطقة، كما كانت دلّت حادثة إسقاط الطائرة الروسية العام الماضي. إشارات تركية واضحة استجدّت وتُرجمت بالمواقف والتهاني للروس والرغبة "بزيادة عدد الأصدقاء وتقليص عدد الأعداد".

متانة التعاون الروسي-الإيراني تُرجمت في الفلوجة العراقية وبالتنسيق العسكري المفتوح حول سوريا، وتوزيع الأدوار في اجتماع حصل بين وزراء دفاع ايران وسوريا وروسيا في طهران. تتفق ايران والاتحاد الروسي على ضرورة تنظيف المساحة العراقية - السورية الحدودية من الإرهابيين. لأجل ذلك تتوجه الأنظار الى الصراع مع "داعش" في دير الزور والرقة حيث معقل "تنظيم الدولة".

اما بالنسبة الى الإخفاق الذي حصل في ريف حلب الجنوبي فهو ليس نهاية المشوار. في الحرب كر وفر وخسائر وغنائم.

  ما يثبت التقارب الروسي - الإيراني أيضاً ان ايران تدرك ان دولاً عربية وغربية تريد استنزافها في سوريا بعدما فقدت تلك الدول الأمل بإحداث انقلاب في سوريا ضد إدارة نظامها وحلفائه. لذلك لا بد من التحالف مع موسكو شريكة المواجهة مع المجموعات الإرهابية.

لروسيا أيضاً مصلحة واضحة بالتعاون الوثيق مع طهران انطلاقا من موقع الجمهورية الاسلامية الجيوسياسي والثقل الإقليمي الذي تتمتع به. من هنا يظهر ثبات التحالف الإيراني-الروسي النهائي من دون اي شك.

تل أبيب الساعية لضمان دور لها في الخارطة السياسية الجديدة أدارت ظهرها قليلاً للادارة الاميركية وانفتحت على الروس الى حد التحضير لمناورات عسكرية بحرية وجوية مشتركة، وإبداء رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الانفتاح الكامل على الشركات الروسية في موضوع حقول الغاز والنفط.

ترمي اسرائيل بهذه الخطوة الى ضمان امنها بعد سقوط الرهان على تغيير في سوريا يقلب المشهد لصالح متطرفين متعاونين مع الإسرائيليين-كما بدا في الجولان ودرعا في السنوات الماضية. سلمت تل أبيب بالدور الروسي المطلق في المنطقة بعد تراجع الأميركيين. حتى ان الإسرائيليين يرصدون الانفتاح الأميركي على موسكو في الحملات الانتخابية التي تجري الآن.

الإسرائيليون سربوا عبر وسائل إعلامهم معلومات تفيد ان التحالف مع روسيا يضمن أمن حقول النفط والغاز والدولة. هم يعتبرون ان موسكو ضمانة وحيدة نتيجة انفتاحها وتواصلها وحلفها مع ايران.

تلك التطورات تعني أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من حروب الاستنزاف الميدانية المتنقلة، ولكن مع تطورات سياسية قد تعيد تركيا الى حلف مع ايران وروسيا شرط قوننة او ضبط التباين حول سوريا. موسكو وطهران يهمهما أيضاً التقارب مع انقره. سيرتاح الطرفان إزاء ضبط الحدود مع سوريا في حال حصول التزام تركي. انقره أرسلت إشارات ميدانية أيضاً بإطلاق النار على سوريين على الحدود منذ ايام. ما يعني موافقتها على الجلوس الى طاولة واحدة لتنظيم الخلاف.

لكن هل تكتفي التسويات عند حدود الضمانة وتنظيم الخلافات؟ سيتظهر ذلك في المرحلة المقبلة.

لكن المؤكد الوحيد ان المشروع الذي تقوده روسيا يكسب بالنقاط السياسية والميدانية. كل من يعارض روسيا في المنطقة الآن لا قدرة لديه على مواجهتها او إفشال مشاريعها. فلننظر أيضاً الى المسائل الاقتصادية والخسائر المالية. تلك أيضاً تشكل سبباً إضافياً لضعف قدرات الدول التي تريد مواجهة الروس.
النشرة