إنها حرب الضياع.. بقلم: د.علي القيم

إنها حرب الضياع.. بقلم: د.علي القيم

تحليل وآراء

الخميس، ٩ يونيو ٢٠١٦

ما حدث خلال السنوات الخمس الماضية، يثبت بما لا يقبل الشك، أن هناك فئة كبيرة من الشعب العربي، فقدت الأمل، في رسم رؤية سياسية واضحة للخروج من الأزمة المريرة، التي نتج عنها القتل والخراب والتدمير، وتفكيك بنى، وفساد عقول وأفكار وقيم ومبادئ.. وثبت أنه كلما طال عمر الأزمة، ازدادت المشاكل الناجمة عنها، بسبب تنوع أسبابها وتشعبها.
لقد أصبح البديل السلمي عن الحرب المريرة، سراباً، والبديل العلماني عن التوحش الديني والتكفيري، تيهاً، والبديل الديمقراطي عن الاستبداد غيمة صيف، والبديل عن التخلف والسلب والفساد، لا يسمح به أحد.. حاضرنا أصبح مغلقاً.. والنظر إلى الأمام سراباً وإلى الوراء وحشاً، وما بينهما أمة تستوطن فوهة القتل، والناس تصرخ بقوة؛ لا تنتظروا الحلول.. احتمالات الحياة، خط نادر الحدوث.. لا مفر من الهجرة والنزوح واللجوء إلى حدود لا منافذ لها، قد تكون نهايتها أشد خطراً، وأكثر تفكيكاً، وما خفي منها كان أعظم.
لقد أصبحنا شعباً، يرتحل من مكان إلى آخر، يحمل معه بؤسه ومعاناته وآلامه وجروحه، ويتساقط على ضفاف الطرق المديدة، وبين الأمواج القاتلة.. شعب يغامر بالموت، ويقاتل باليأس، من أجل حفنة من الأمن والسلامة.. من أجل إقامة في عراء إنساني.. إنه زمن قاتل، خطوط الحل فيه وهم، البدائل غائبة.. لقد أصبحنا في زمن التحلل والتبدل والتحول.. موعدنا مستمر مع العنف والقتل والدمار.. لقد وقعت البلاد تحت تأثير مؤامرة كبيرة من الصعب تحديد مداها وتلمس نهاياتها، وكشف المستور منها، ما يدل على أن أبواب جهنم لن تغلق قريباً.
موجات النزوح خلطت الأوراق «سياسياً وأخلاقياً».. لقد حُرم الملايين من الناس من العيش على أرضهم بسلام، فهاموا على وجوههم في دول الجوار. وفي طرقات أوروبا، ليعلنوا للعالم عن كارثة كبيرة، وانهيار مجتمعي وإنساني أبطاله تجّار البشر ومرتزقة لا حدود لجشعهم وبربريتهم وظلمهم.. لقد قتلوا المواطن في غربته وعزلته الإجبارية.. لقد هجرتهم نيران الهمجية والوحشية، فخرجوا هائمين على وجوههم، هروباً من وطن احتلته الحرب، ودحرته نيران الغزاة، وجعلته مرتعاً لكل مغامر أو مارق لا يعرف الحب، ويبحث في بحر الظلمات عن هدف أو تبرير، لما حدث ويحدث.. في زمن القتل والتدمير، تتغير القناعات والمواقع والآراء، ويتفكك التماسك الأسري، أمام الويلات والأطراف المتصارعة، وينقلب السحر على الساحر، ونصبح أمام اللوعة، ودهشة الحدث، ومتاهة التعاطف نصنع أيقونات لا وجود لها، ونسطر حوادث لم نسمع بها، إنها حرب الضياع التي تفتخر الدول الكبرى بتمويلها وتمديدها والمحافظة على إيقاعها واستمراريتها، وفق كم كبير من الإشارات المتضاربة، والاتجاهات المتقاطعة، وضبابية الموقف.. إنها المأساة التي لا يريدون لها نهاية، ولا أملاً مغرياً ولو من بعيد.. لقد وصلنا إلى المأزق المرير الذي يستهلك قدراتنا، ويدمر عقولنا وآمالنا وأحلامنا، وأصبحنا لا نعرف إلى أين تقودنا خطواتنا.. لقد أفقدوا شعبنا الأمن والأمان، ومع كل هذا وذاك، وعلى الرغم من كل هذا الشقاء والفناء، أغلب الناس لم يغادروا البلد، لأن كلمتي المهجر واللجوء فيهما الكثير من المهانة والمذلة، ولا يريدون أن يتركوا بلدهم في محنته، وجنسيتهم السورية عندهم غالية ويفتخرون بها لأنها أصيلة وشامخة وعنوان فخر وعز وإباء، وما يحكم النفس السورية أكبر من جميع المغريات والهويات.