قراءة روسية للحرب السورية: الخيارات المفتوحة..بقلم: سامي كليب

قراءة روسية للحرب السورية: الخيارات المفتوحة..بقلم: سامي كليب

تحليل وآراء

الاثنين، ٦ يونيو ٢٠١٦

فجأة قررت روسيا وأميركا وإيران أن «داعش» أوهن من بيت العنكبوت. تقاطعت الجبهات من العراق الى سوريا. تلاقت المصالح. حصل تنسيق دقيق مباشر أو غير مباشر. توالت أنباءُ تراجعِ التنظيم الموسوم بالإرهاب. وصلت الحماسة بكبير مستشاري قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني العميد أحمد كريمبور الى حد الجزم بأن: «سوريا ستتحرر بالكامل قريباً جداً وان تنظيم «داعش» قد بلغ نهايته».
كل هذا ممتاز، ما دام ضد إرهاب القرون الوسطى، لكن في الصراعات العالمية الكبرى، لا شيء تغير. لا تزال أميركا تعتبر روسيا العدو الأول، ولا تزال ترى «إيران أكبر راع للإرهاب في العالم» وفق التقرير السنوي لخارجيتها. أما موسكو وطهران فتستمران من جانبهما في اعتبار أميركا العدو الأكثر خطراً على المستوى العالمي. يشير تقرير مركز /Levada الى أن 75 في المئة من الروس يرون أميركا العدو الاول قبل أوكرانيا وتركيا. مرشد الثورة في إيران السيد علي خامنئي يوحي بتصريحاته وكأن لا اتفاق حصل مع الشيطان الأكبر، حتى ولو أحرج إدارة الرئيس حسن روحاني (إن لم يكن في الأمر تبادل للأدوار داخل النظام).

روسيا الحذرة: سوريا حليف استراتيجي
يمكن اختصار الديبلوماسية الروسية الحالية بجملة واحدة مفادها: «قل ما يريدون وافعل ما تشاء». كلما أبدت روسيا انفتاحاً على الأفكار والدول والمعارضات، كلما تمنعت فعلياً عن أي تنازل. لا بأس أن تتكثف المشاورات والتصريحات الإيجابية مع واشنطن. لا ضير في تواصل الاجتماعات وتطويرها مع دول الخليج. لا مشكلة في تخفيض سعر النفط الى تركيا وتعزيز التعاون (طبعاً قبل إسقاط أنقرة للطائرة الروسية)، لكننا لم نشهد حتى الآن أي تنازل فعلي لا حيال مستقبل الرئيس بشار الأسد ولا القضايا الجوهرية.
ينفي الروس، مثلا، نفياً قاطعاً أن يكونوا قد سرّبوا أية وثيقة للدستور السوري الجديد، أو أنهم قبلوا بأية تنازلات تتعلق بالرئاسة السورية. يشددون على مبدئية رفض التدخل في قرارات الدول ومصائر رؤسائها. قد يبدو الأمر غريباً فيما طائرات العالم تستبيح الأجواء السورية، لكن موسكو تكرر القول: «إن الشعب السوري هو الذي يقرر». ثم تسمعهم يتساءلون بكثير من التشكيك والحذر: «لمن نقدم تنازلات؟ لواشنطن التي لا نزال في صراع دولي كبير معها؟ أم للمعارضة السورية المفككة التي ارتمت في أحضان الغرب ودول داعمة للإرهاب؟ أم للخليج الذي نعرف ضمنياً أنه لم يهضم مطلقاً دورنا في سوريا، ولا يريد أصلاً للديبلوماسية الروسية أي نجاح في المنطقة، بل يريد استخدام التقارب معنا للضغط على أميركا؟».
أما التقسيم الذي تنذر به سيطرة الكرد على مناطق مهمة من الشمال السوري، فإن الرد الروسي يبدو حاسماً: «ان من عانى التقسيم مثلنا وتفكك الاتحاد السوفياتي واستمالة مسؤولين من عندنا الى أميركا حيث يحمل بعضهم حاليا جنسيتها (وزيرالخارجية السابق اندريه كوزيريف) سيحارب التقسيم في أي مكان في العالم». لا يتذكرون ربما «انفصال» القرم مؤخرا. يتذكرون مأساة تقسيم يوغوسلافيا وكذب الأطلسي في ليبيا.
لا ينظر الروس، إذاً، الى سوريا بمعزل عن صراعهم الأكبر في العالم مع أميركا. بهذا المعنى فإن بشار الأسد حليف استراتيجي. هم يدركون تماما أن المستقبل الأميركي غير واضح. لعلهم يفضلون فوز المرشح دونالد ترامب على هيلاري كلينتون لأنه سيكون أقل خبرة وقد يحاط بمستشارين يدفعونه للتهدئة لا للتصعيد.

عداوة أميركا تناقض ابتسامات كيري ولافروف
شواهدهم على سوء النيات الأميركية حيالهم وتجاه حلفائهم أكثر من أن تحصى بعيدا عن الابتسامات العابرة والتصريحات الإيجابية بعد كل لقاء بين سيرغي لافروف وجون كيري. لعل آخرها زيارة أوباما الى فيتنام وقرار رفع العقوبات عنها لتسليحها ضد الصين. سبق ذلك فتح 5 قواعد فيليبينية، كما أن استراليا تستعد لاستقبال القاذفات الاستراتيجية الأميركية ذات الرؤوس النووية. يتذكر الروس أن الإدارة الأميركية الحالية خصصت أكثر من ألف مليار دولار لبناء 400 صاروخ باليستي جديد عابر للقارات، و12 غواصة و100 قاذفة استراتيجية نووية. في ظل أوباما ايضا الذي قدم نفسه في العالم على أنه الأقل رغبة في الانتشار العسكري والحملات، ها هي أميركا تطور منظومة كاملة لتحديث الرؤوس النووية في أوروبا. يحكى عن أكثر من 40 الف خبير وعشرات المختبرات الجديدة. يحصل هذا فيما الرئيس الأميركي الحالي يرفع من قلب هانوي شعار إزالة الأسلحة النووية والحروب من العالم. يحصل هذا أيضا وسط الاتهامات المتبادلة بين واشنطن وبكين حول السيطرة على بحر الصين. تفيد المعلومات العسكرية بأن القيادة العسكرية الأميركية قررت نشر سفن وبوارج حربية من نوع Aegis بالقرب من الصين وروسيا على غرار ما تفعله في أوروبا مع هذا النوع من البوارج والقواعد الأطلسية. الهدف هو استكمال تطويق الكثير من المناطق المحاذية لروسيا في أوروبا والمحاذية للصين في آسيا والمحيط الهادئ. ناهيك عن التعاون الكبير الحاصل حاليا مع كوريا الجنوبية ضد الصين.
لا يقتصر الأمر هنا على أميركا، بل يشمل الأطلسي، فالدول الأوروبية الكبرى التي اجتمعت مع أميركا وكندا في قمة الدول الصناعية السبع في اليابان، طالبت بكين بحرية الملاحة البحرية والجوية في بحر الصين، وهي لا تزال تمدد العقوبات ضد روسيا بسبب أوكرانيا.

ما علاقة الأمر بسوريا؟
تعرف روسيا أن إعادة ترسيخ دعائم الدولة السورية ومؤسساتها، ومساعدة وإعادة تعزيز الجيش السوري ومحاربة الإرهاب، من شأنها أن تحقق هدفاً روسياً كبيراً لا يتعلق بالحليف السوري فقط بل بالتوازنات الاستراتيجية الدولية في المنطقة. ترى أن خصومها تراجعوا لأن بوتين أثبت صلابة أكبر مما اعتقد الجميع، ولأن الجيش السوري وحلفاءه قاتلوا بأكثر مما توقع كثيرون. سيحصل تدخل عسكري كلما دعت الحاجة. لو تدخلت تركيا فإن المواجهة حتمية، ذلك أن موسكو تنظر الى أنقرة على أنها «المقر والمعبر الأكثر خطورة للإرهاب الداعشي وغيره». أردوغان الآن عدو بامتياز. القرار بضرب كل الأطراف المسلحة غير القابلة بالهدنة والرافضة الابتعاد عن «داعش» و «النصرة» لا رجعة عنه. هذه قرارات استراتيجية وليست تكتيكية في السياسة الروسية الحالية.

لماذا منعت حلب إذاً؟
بالنسبة لموسكو، فإن وقف إطلاق النار في لحظة التقدم الكبير للجيش السوري وحلفائه من «حزب الله» وإيران لم يكن خطأً كما يعتقد البعض. لا ترى موسكو إمكانية لحسم عسكري شامل. تعتقد أن التقدم بالسياسة والمفاوضات مع أوباما ممكن من دون تكاليف الحروب. ترى أن وقف إطلاق النار بالتفاوض بين السوريين أوصل المساعدات الإنسانية. أقنع الجميع بأهمية الدور الروسي. أثبت أن النظام الحالي قادر على تنفيذ الاتفاقات في مناطقه خلافاً للصراع بين فصائل المعارضة ومسلحيها، ساهم ايضا في إحراج المسلحين بحيث وضعهم أمام خيار أن يعاملوا كإرهابيين أو كمساهمين في الحل. هذا مفيد ضمنياً لإحراج واشنطن والأطراف الحليفة لها.
لم تقل موسكو يوماً إنها جزء من حلف «المقاومة». علاقتها بإسرائيل قوية. لكن مصالحها مع إيران في سوريا والنفط ومناطق بحر قزوين وآسيا الوسطى وغيرها، كبيرة. الأهم الآن هو استكمال فرض سيطرة الدولة السورية على المدن الكبرى بما فيها حلب. الكرد السوريون مفيدون، لكن التقسيم خط أحمر.
تجدد الانخراط الروسي المباشر إذاً في حلب ممكن. هو ممكن في أي منطقة سورية أخرى كما يحصل حاليا في الرقة مثلا وما سيحصل قريبا في مناطق جديدة. لكن لا بد من استنفاد كل الحلول السياسية والتفاوضية قبل مغادرة أوباما البيت الأبيض.
تعرف موسكو أن إحداث توازن كامل مع الأطلسي ليس ممكناً. الفروقات كبيرة بين قدرات الطرفين. لكن سوريا كانت مفصلية.
هل هذا يعني أن بوتين لن يخذل الرئيس بشار الأسد في المراحل المقبلة من المفاوضات، ويرغب فعلا بعدم تقسيم سوريا؟
يجيب مسؤول روسي أنه في أوج الحرب وفي فترة الوهن السوري، لم يتراجع بوتين عن دعم «سوريا»، فهل يتراجع الآن؟ ولمن يتراجع؟
ربما هي قراءة روسية متفائلة أكثر من اللزوم، وربما هي واقعية أكثر من الواقع، إلا إذا كان الربح الروسي في سوريا لا يعني ايضا ربحاً لإيران و «حزب الله». كثيرون يراهنون على الأمر، من الخليج الى إسرائيل فالأطلسي. لعل هذا ما يدفع البعض للاعتقاد أن ثمة تبايناً سيكبر لاحقاً بين روسيا وحلف المقاومة. هذا ممكن ولكنه ليس حتمياً، ذلك أن التعاون المتبادل بين القيادة الروسية والجنرال قاسم سليماني والجيش السوري و «حزب الله» أثبت فعالية كبيرة على الأرض. أما التباين المحتمل فهو يبقى ورقة تفاوض إضافية بيد بوتين وليست ضده. لعله يحسن استخدامها تماما الآن في محاولات إغرائه الخليج وإسرائيل.