إقالة علوش بين السلب والإيجاب.. بقلم: إيهاب زكي

إقالة علوش بين السلب والإيجاب.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأربعاء، ١ يونيو ٢٠١٦

بيروت برس -
منذ الفاحشة الدبلوماسية التي ارتكبها محمد علوش في أول ظهور له ككبير للمفاوضين بما يُسمى وفد الرياض إلى جنيف، حين قال "على الأسد أن يرحل في بداية المرحلة الإنتقالية حيًا أو ميتًا"، كان من الواضح أنه يسعى إلى حتفه تمثيليًا من حيث لا يدري، حيث كتبتُ هنا بعد تصريحاته تلك في مقالة بعنوان (جنيف وتشريع اللصوصية) ما نصه "فيما اعتبر البعض أن تلك كانت زلة علوش، لكنها في الحقيقة مقصلته، لذلك يحاول الهروب منها". وعليه فإنّ هذه الإقالة جاءت متأخرة جدًا، ولو كان علوش ذا رأي مستقل أو لبٍ غير معتل لاستدرك فاحشته مباشرة بعد المؤتمر الصحفي لرئيس الوفد السوري بشار الجعفري، حين اشترط الاعتذار العلني عن تلك التصريحات، حتى أنه وجه إليه توبيخًا دون تسميته من باب التنكير والاستصغار،"وعليه أن يحلق ذقنه أيضًا"، ولكن طالما أن الإقالة وقعت فهي في التوقيت تبدو كأنها على طرفي نقيض سلبًا وإيجابًا، فلا يمكن التعامل مع سلوكيات هذه "المعارضة" بمعزلٍ عن أوامر المشغلين وأهدافهم.
لو افترضنا أن هذه الإقالة جاءت بعد إصرار سوري على استبعاد المذكور مما أدى إلى توافق روسي أمريكي وصولًا لهذه النتيجة، خصوصًا مع الأخذ بعين الاعتبار التصريحات المتلاحقة من أقطاب ما يسمى بـ"المعارضة" عن إمكانية توسيع وفدها التفاوضي وتغيير بنيته بإضافة "معارضة موسكو والقاهرة" للوفد وحتى حجز مقعد كردي، وفيما اعتبرت الناطقة باسم ديمستورا أن هذا "شأن داخلي للمعارضة"، أبدى الروس ارتياحهم لهذه الخطوة على لسان ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي واعتبرها خطوة بناءة ستؤثر إيجابًا على مفاوضات جنيف. هذا الافتراض من شأنه أن يأخذنا لمنطقة إيجابية، حيث أن هناك توافقًا على اتخاذ التفاوض مسارًا أوحد لإنهاء العدوان على سوريا، ولو أدى ذلك إلى التضحية بأسماء أنهكت المخابرات العربية والغربية في تلميعها وتصديرها للواجهة حد صناعة بطولاتٍ ملفقة مزيفة، وحضورٍ ما أتقنوه ولكن شُبِّه لهم، وقد يقودنا هذا الافتراض إلى أن خطوة الإطاحة بما يُسمى "كبير المفاوضين" هي بداية الطريق نحو إعلان ما يسمى بـ"جيش الإسلام" فصيلًا إرهابيًا بتوافق دولي، والأهم أن هذا التنازل الأمريكي مع افتراض صحته، بماذا سيتم موازاته روسيًا وسوريًا.
وهذه الموازاة تفترض أيضًا تكافؤ ميداني بين الإرهاب وبين الجيش السوري وحلفائه، وأنه تنازل ليس نابعًا من كفة الجيش وحلفائه الراجحة، وهذا يجعلنا نفكر بالشق السلبي لتلك الإقالة، وهي فكرة تتناقض كليًا مع الافتراض الإيجابي، حيث نفترض أنها جاءت بأوامر أمريكية كمحاولةٍ لتجميد العملية التفاوضية بالحجة القديمة المستجدة والدائمة ألا وهي تشرذم "المعارضات"، حيث عمدت الولايات المتحدة وخلال فترة وقف العمليات القتالية إلى دعم تلك المجاميع الإرهابية بشكل مباشر أو عبر وكلائها سرًا وعلنًا، وبذلك فهي تفترض أن ذلك الدعم قادر على استحداث معادلات جديدة ميدانيًا، تفرض على سوريا وحلفائها تقديم تنازلات على طاولة التفاوض، حتى بعد إعلان "استقالة" علوش، قام أحدٌ ما في غرفةٍ ما بالضغط على زرٍ ما، فانطلق الجبير بمتلازمته الحميمة المحمومة "على الأسد أن يرحل"، لدرجة أنه استعرض فرادة قوات بلاده في تركيا وقدراتها المثالية والنادرة، والحقيقة أني كلما استمعت للندرة طافت أمامي مصائر المنقرضات، وكما الجبير لا ينفك عن إعلان استمرار دعم بلاده لما يسميها "معارضة معتدلة"، كذلك يفعل أردوغان، وهذا ما لا يتناسب إطلاقًا مع الافتراض الإيجابي بالتنازل الأمريكي من أجل السلام.
في الخلاصة، فإنّ من الواضح وجود استعدادات ميدانية وسياسية لجولة قاسية من السجال بالنار والألسنة معًا، فالافتراضات السلبية أينما حلت الولايات المتحدة هي الأرجح، وأما الإيجابية فهي تعادل في ميزان الحكمة الافتراض بأن علوش قدم "استقالته" لعدم جدية المجتمع الدولي، كما أنه من اللافت للانتباه أن كل تصريحات ما يُسمى بـ"المعارضة" اللاحقة للإقالة، تتبنى رواية واحدة، وهي الضغط الروسي على أمريكا والذي أدى بدوره لفرض مسار تفاوضي على المعارضة، وهذا يعيدنا إلى المربع الأول، حيث أن الولايات المتحدة تستخدم أوراقها متى شاءت، فالزمام في يدها تقديمًا وتأخيرًا، وحين الحاجة توحي للطرف الآخر بانفلات الزمام ما أدى إلى تبعثر الأوراق، فأحيانًا تبدو أوراقها متمردة وحينًا "حردانة"، وحين تنجح في تحقيق مآربها من دمائهم وأموالهم، يعود الزمام بسحر ساحر إلى يدها فتلجمهم، وعليه فإن الراجح عودة للميدان في لعبة كسر العظم، ولكن مع إبقاء طاولة التفاوض كقفازٍ مخملي يمنع الاصطدام الكارثي والشامل.