معركة الرقة كمنعطف هام وخطير.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

معركة الرقة كمنعطف هام وخطير.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١ يونيو ٢٠١٦

تقول البيانات الصادرة عن عدة أطراف إن معركة الرقة قد بدأت من شمالها في 24/5/2016 وهي اليوم تتم أسبوعها الأول ومع ذلك فإن مسار العمليات العسكرية لا يبدو جدياً حتى هذه اللحطة أو إنه لم يحقق أي مكاسب تذكر لمصلحة القائمين بالهجوم وهو أمر يفهم على أحد وجهين لا ثالث لهما: الأول أن المعركة لا تزال في مرحلة جس النبض لاستكشاف القدرات الداعشية والمتغيرات التي طرأت خلال الأشهر الستة الماضية عليها، والثاني أن الأمر يعود إلى ضعف في القدرات العسكرية للقوات المهاجمة أو إلى سوء تحضيراتها وهو ما يمثل النصائح التي أشار الأتراك بها على الأميركان فقد أخبروهم بأن سلاح الجو الأميركي لن يكون بمقدوره وحده حسم النتيجة في الميدان.
تنبع الدوافع الأميركية التي تقف وراء إعلان معركة الرقة في هذه الآونة من أمرين اثنين: الأول أن من شأن تحقيق ضربة ساحقة لداعش في الرقة أن يؤدي تلقائياً إلى تطبيق ضغوط عسكرية على الجيش السوري ناجمة من فرار مقاتلي داعش في الرقة والتحاقهم بإحدى الجبهتين اللتين تشهدان توازناً عسكرياً هشاً ما بين الجيش السوري وقوات المعارضة وهما دير الزور وشرقي حمص، الثاني هو أن الخطوة برمتها ينظر إليها على أنها قفزة نوعية للمشروع الكردي الذي انطلق في تشرين الأول 2013 عندما تم الإعلان عن قيام الإدارة الذاتية الكردية ومن ثم توسيع هذه الأخيرة لتضم عين العرب إليها في كانون الثاني 2014 ثم تل أبيض تشرين الأول 2015 قبل أن يعلن الأكراد في اجتماع عقد في الرميلان 16 آذار 2016 عن قيام إقليم (روج آفا) والذي يقرأ على أنه محاولة لاستنساخ كردستان العراق على الأرض السورية.
كيفما سارت العمليات العسكرية في معركة الرقة فإن المخاوف المتولدة عن تلك الخطوة تصل إلى حدود التهديد بانفراط عقد اللؤلؤ السوري عبر استهدافه في خاصرته «الرقاوية» الرخوة، فأن تعلن واشنطن في آذار 2016 عن وجود 250 من عناصر الكوماندوس الأميركيين على الأراضي السورية، وأن يأتي جوزيف فوتيل قائد القوات المركزية الأميركية في 22/5/2016 إلى عين العرب في خطوة تندرج تحت إطار التحضيرات الجارية لاستكمال معركة الرقة كما قال عنها بريت ماكفورك، فإن تلك المعطيات جميعها تعتبر خرقاً مقلقاً للسيادة السورية على أراضيها وما يزيد من حجم المخاوف هو أن أحداً من القوى الدولية لم يذهب باتجاه إدانة تلك الخروقات بمن فيهم الروس الذين تجاهلوا ما سبق كأن شيئاً لم يكن، لتصل تلك المخاوف إلى ذروتها عبر تجاهل دمشق في معركة من شأنها أن تشكل منعطفاً مهاً في تاريخ الأزمة السورية، وهي ستحدد وإلى درجة كبيرة الآفاق التي يمكن أن تصل إليها هذه الأخيرة، وتركيبة القوات التي ستدخل المدينة ستحدد هي الأخرى مستقبل هذه الأخيرة ولذا فإننا نلمس حجم الجهود المبذولة لإظهار القوات المهاجمة على أنها تمثل حليفاً واسعاً للقوى الفاعلة في الميدان الأمر الذي لا تدعمه الحقائق ولا الوقائع الميدانية فقد أعلن مجلس شورى قبيلة شمر (كبرى القبائل) بأن ما من مقاتلين ممثلين له في قوات سورية الديمقراطية (25/5/2016) في حين أن الأمر البالغ الخطورة في هذا السياق يتمثل بما أعلنه محمد الصالح المتحدث باسم حملة «الرقة تذبح بصمت» عندما قال: «إن أبناء مدينة الرقة قد بدؤوا بالالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية بسبب تخوفهم من الحملة الكردية 25/5/2016.
مهما يمكن من أمر فالمعركة قد ابتدأت وهي ستشهد تراصفات جديدة مغايرة للسابقة واستخداماً أكبر لأوراق استفزازية بهدف فرض معطيات أخرى الأمر الذي ابتدأه داعش في ريف حلب الشمالي عبر تهديد مدينة إعزاز التي بات على مسافة ثلاثة كيلو مترات منها في 27/5/2016 الأمر الذي أثار حفيظة الأتراك الذين أدركوا أن الرسالة الموجهة إليهم (وإلى الأميركان) هي أن تهديد معقل داعش السوري (الرقة) في مقابل تهديد مدينة إعزاز البالغة الحساسية الأمر الذي يفسر اقتحام القوات التركية للعمق السوري (1 كم) وذهابها نحو السيطرة على بلدتي حمام ومارونية كما ذكرت وكالة «سانا» السورية 27/5/2016.
تظهر التصريحات التركية التي تحمل نكهات مريرة واضحة في مقاربتها لطقوس المعركة الدائرة في الرقة أو في محيطها أن أنقرة ستكون مغلولة اليدين في قدراتها للتأثير في المعارك العسكرية الحاصلة بين قوات سورية الديمقراطية وتنظيم الدولة الإسلامية، فقد أعلن مولود جاويش وزير الخارجية التركي في معرض تعليقه على صور كانت قد بثت من معركة الرقة ويظهر فيها مقاتلون كوماندوس أميركان وهم يرتدون شارات وحدات الحماية الكردية أن «من الأفضل لهم (يقصد الكوماندوس الأميركان) وضع شارات داعش أو جبهة النصرة تبعاً للمنطقة التي هم فيها… ليضيف: أو أن يضعوا شارات بوكو حرام إذا ما تطلب الأمر ظهورهم في الشمال الإفريقي، تبدو أنقرة محدودة الخيارات أمام الأكراد فإنهم يرون أن الفرصة سانحة ولن تتكرر ولذا فإن من الواجب عدم التفريط بها في ظل لبوس سياسي أميركي يتسم بالازدواجية فهو من جهة يعلن رفضه لتوجهات الأكراد الانفصالية ومن جهة أخرى يسعى إلى دعم توسيع «روج آفا» عبر ضم مدينة الرقة لها في حال السيطرة عليها.