خطة لإطاحة محمود عباس؟..بقلم: هاني المصري

خطة لإطاحة محمود عباس؟..بقلم: هاني المصري

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣١ مايو ٢٠١٦

كشف موقع «ميدل إيست آي» في تقرير أعدّه رئيس التحرير الكاتب والصحافي المعروف ديفيد هيرست عن وجود خطة يشارك في إعدادها كل من الإمارات ومصر والأردن، تسعى لإحلال محمد دحلان بدلًا من الرئيس محمود عباس في رئاسة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية. وجاء في التقرير «أنّ الإمارات أطلعت تل أبيب على الخطة، فيما سيقوم دحلان والدول العربية الثلاث بإطلاع السعودية عليها عند اكتمالها».
بدورها، أكدت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية وجود الخطة، مشيرة إلى أن إسرائيل والإمارات أجرتا محادثات حولها. أما سائر الدول العربية فوجودها لاستكمال المشهد الذي سيسدل الستار عنه قريبًا بجهود إماراتية وإسرائيلية. وقالت الصحيفة «إن فرص نجاح الخطة الإماراتية الإسرائيلية كبيرة جدًا في ظل الدعم الذي يتمتع به دحلان في الدوائر السياسية والأمنية في البلدين»، فضلًا عن «العلاقات الوثيقة التي تربطه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبد الله الثاني وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وبالاضافة إلى أنه «تمكّن من بناء قاعدة شعبية له في حركة فتح».
ولإعطاء مصداقية لما ورد في التقرير البريطاني، نقل هيرست تأكيدات على وجود الخطة عن مصدر فلسطيني بارز ومسؤول أردني، وشَرَحَ انها تقوم على عزل عباس من خلال الانتخابات التشريعية (يراد لها أن تكون انتخابات لبرلمان الدولة وليس للمجلس التشريعي للسلطة) التي ستعقد هذا العام ضمن خطوات عدة تشمل التوصل إلى مصالحة داخل حركة «فتح»، وهذا يمكن أن يحدث كما جاء في التقرير نقلًا عن المسؤول الفلسطيني من خلال «اعتقاد دحلان بأنّ هناك خيارين لتحقيق هذه المصالحة: إما باستقالة عباس وهو أمر مستبعد، أو أن يقوم الأردن بعملية مصالحة بين دحلان وعباس، تحت ذريعة تقوية حركة «فتح»، ثم الاتفاق مع «حماس» على عقد انتخابات رئاسية وتشريعية، تليها الخطوة الثالثة وهي إعادة تشكيل السلطة قبل إجراء الانتخابات».
وينقل هيرست عن المسؤول الفلسطيني أن «دحلان لا يرغب في هذه المرحلة بتقديم نفسه للرئاسة، ولهذا سيحاول ترشيح نفسه لرئاسة البرلمان، وهو منصب يعتقد أنه قادر من خلاله على السيطرة على الرئاسة»، ويتابع بأن «دحلان يريد منصب الرئاسة لناصر القدوة مع أن الإسرائيليين يفضلون أحمد قريع»، علماً أن دحلان يعتقد أنه قادر على التأثير على الرجلين. كما تقوم الخطة أيضًا على إضعاف وإخضاع «حماس».
من الواضح أن كاتب التقرير استند إلى وقائع عديدة صحيحة، مثل تدهور علاقات عباس بالإمارات، والجفاء الذي أحاط بعلاقاته مع الأردن ومصر على خلفيات مختلفة، منها ما يتعلق برفضه النصائح بمصالحة دحلان، والخلاف حول كيفية التعاطي مع القضية الفلسطينية في مجلس الأمن، وغيره من المؤسسات الدولية، وكيفية التعاطي مع الاعتداءات على الأقصى، خصوصًا مسألة نصب الكاميرات التي تراجع الأردن عنها بسبب الاعتراضات الفلسطينية.
لكن هيرست تسرّع أو وقع في فخ نُصِبَ له بحديثه عن خطة الإطاحة، لأنه إذا كانت هناك مثل هذه الخطة، فلماذا يتم الحديث عنها من مسؤول أردني لوسائل الإعلام؟ إلا إذا كان الهدف الضغط على عباس وابتزازه، أو الإسراع في كشف الخطة قبل أن تتبلور وتكتمل، الأمر الذي يفسّر تصريحات مسؤول فلسطيني بارز وردت آراؤه في التقرير.
إن تسريب الأنباء بغض النظر عن النوايا والأهداف عن «خطة الإطاحة» يساعد أو يستهدف حرق دحلان أكثر مما يستهدف إطاحة الرئيس أبو مازن. ويمكن تفسير سلوك عباس منذ فصل دحلان من حركة «فتح» وملاحقته على المستويات والأصعدة كافة ورفض الجهود من أطراف عدة لمصالحته، بأنه يخشى أن يحدث معه ما حدث مع سلفه ياسر عرفات، حين تم عزله بتواطؤ فلسطيني وعربي، وبتدخلات إسرائيلية وأميركية، بدءًا باستحداث منصب رئيس الحكومة ونقل صلاحيات كبيرة له، ووصولًا إلى محاصرته في مكتبه، وانتهاءً باغتياله. فعباس لا يمكن أن يُدخِل الدب إلى كرمه، لذلك أغضب الإمارات والأردن ومصر، لأن هذه قضية حياة أو موت بالنسبة إليه.
تكمن نقطة ضعف هذه الخطة المزعومة في أن دحلان سيبقى خارج اللعبة ما دام خارج «فتح»، في ظل إصرار أبو مازن على عدم مصالحته، وفي تضمنها سعي دحلان تبوء منصب رئيس المجلس التشريعي لأن ذلك يعزز دور المنظمة على حساب السلطة، علماً أن التقرير نقل عن المسؤول الأردني قوله إن «قائمة ضعف دحلان طويلة»، «فهو لا يحظى بشعبية بين الفلسطينيين، ومتهم بالفساد، وعلى علاقة بالاستخبارات الإسرائيلية، وعلاقته معدومة مع عباس، إضافة إلى وجوده وعمله خارج مناطق السلطة.
فكيف في ظل كل نقاط الضعف هذه يطمح لكي يكون رئيس المجلس التشريعي بعد الانتخابات، التي لا يعرف أحد متى ستعقد ولا يبدو أنها بوارد أن تعقد قريبًا؟ إضافة إلى أن هذا المنصب يحتاج إلى توافق وطني غير محتمل الحصول عليه، أو دعم من الغالبية التي ليس من السهل أبدًا أن يحظى بها دحلان، خصوصًا أن الخلاف ليس محصورًا في «فتح» بين عباس ودحلان، بل هناك دعم قوي لموقف عباس من دحلان من غالبية كبيرة في صفوف الحركة ومراكز النفوذ في السلطة، تحديداً الأجهزة الأمنية.
وقد جاء في التقرير أن الأردن بعد موازنة السلبيات والإيجابيات «قرر التوقف عن تنفيذ هذه الخطة» بحسب المسؤول الأردني، وهذه العبارة الأخيرة تجعل كل الحديث عن خطة الإطاحة تنهار من أساسها.
المؤسف في كل هذه الحكاية التي بها من الحقائق مثلما بها من التلفيق أن مصير أهم منصب فلسطيني ومسألة بخطورة ما بعد الرئيس عباس يجري حل رموزها وطلاسمها في أروقة وعواصم عربية ودولية، وبمشاركة إسرائيل كلاعب رئيسي، وذلك لأن الشعب مغيّب والفصائل عاجزة. فالانتخابات لا تعقد في مواعيدها، ومؤسسات السلطة والمنظمة مشلولة وتتآكل باستمرار، وتعاني من التفرد والاستئثار، بينما الانقسام يتعمق أفقيًا وعموديًا، ويجعل التدخلات الخارجية، وخصوصًا الإسرائيلية، أكبر، إلى درجة جعلت أوساطًا تتصور أن المخرج يكمن في إحياء «الخيار الأردني» أو تبني «الكونفدرالية». وفي هذا السياق قدمت عرائض تطالب بذلك، وعرائض أخرى ترفض الأمر.
وتتناسى هذه الأوساط أن إسرائيل التي قتلت خيار إقامة الدولة الفلسطينية قتلت قبله الخيار الأردني، وجعلت لا وجود حاليًا وحتى إشعار آخر لأي خيار أردني أو فلسطيني. بل إنّ الخيار الوحيد الموجود والجاري تطبيقه على الأرض هو خيار الحل الإسرائيلي أحادي الجانب الذي تسعى إسرائيل لتمريره، والمفترض حشد كل الجهود الفلسطينية والعربية لإحباطه بدلًا من فتح معارك داخلية جديدة، فلسطينية - فلسطينية وفلسطينية ـ أردنية.
وحتى يمرّ الحل الإسرائيلي، يجري العمل من أجل تسويقه من خلال حل إقليمي يسمح بتمرير تنازلات كبرى من شأنها إذا حدثت أن تنهي القضية الفلسطينية، بينما القيادة الفلسطينية لا تريد أو لا تستطيع تمرير هذه التنازلات من دون تشجيع وغطاء عربي في ظل المتغيرات والحقائق الجديدة التي غيّرت قائمة الأولويات والمخاطر في المنطقة. فلم تعد القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، ولم تعد إسرائيل عدوًا ولا خطرًا، أو أنها لم تعد العدو الأول والخطر الأساسي على شعوب ومصائر المنطقة.
أبو مازن مستمر في الحكم حتى إشعار آخر برغم الفشل والمأزق اللذين وصل إليهما برنامجه، والتدهور المستمر في مكانته وشعبيته، لأن نقطة قوته الأساسية تكمن في عدم تبلور بديل له، ومن كونه ما زال يحظى بتأييد فلسطيني عربي إقليمي دولي إسرائيلي، برغم الهوة بينه وبين شعبه، والجفاء بينه وبين بعض الدول العربية، علماً أن الأمر يعود إلى الخلاف حول ترتيبات نقل الحكم من بعده أكثر مما يعود إلى الخلاف حول جوهر سياسته.
لا يستطيع من سيخلف أبو مازن أن يقدّم أكثر مما قدّم، بل سيكون أضعف منه أيًا يكن. لذلك تُطرح أفكار مثل توزيع مناصبه على أشخاص عدة، بحيث يكون هناك رئيس لـ «فتح» وآخر للمنظمة وثالث للسلطة/الدولة، مع أن توزيع السلطات على عدد من الأشخاص في ظل الحالة الفلسطينية الراهنة وما تعكسه من تيه وفقدان الخيارات والبدائل وضعف المؤسسة إلى حد الشلل وتغييب الشعب، هو أسرع طريق للمزيد من الانهيار، فالأمر الحاسم ليس من سيخلف أبو مازن، بل ماهية الرؤية والطريق الذي يحتاج الفلسطينيون للسير فيه، لكي تصل السفينة الفلسطينية إلى بر الأمان.