هل يمدّ أردوغان يده للأسد مجددا ً؟

هل يمدّ أردوغان يده للأسد مجددا ً؟

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ مايو ٢٠١٦

ست سنوات للحرب على سورية كانت كافية لتصل تعقيدات المشهد و ضبابيته و خطورته درجة ً غير مسبوقة,  اشتد فيها انقسام دول العالم و اصطفافهم حولها كفريقين أو محورين بما يفوق اصطفافهم في الحربين العالميتين ( محور , حلفاء ) , مع فارق التوافق والتضاد والصراع البيني الداخلي لفريق العدوان على سورية , فيما تزداد علامات الإستغراب و إشارات الإستفهام نتيجة السلوك الروسي الذي بدأ يجاري و يوازي خصومه وأعدائه في الغموض وابتعاده عن سياسته الواضحة التي تفضح توجهاته و طريقة إدارته للمعركة .
لقد اعتقد البعض أن هناك إتفاقا ً أمريكيا ً – روسيا ً على حصر المعركة و منعها من التحول إلى حرب ٍ إقليمية أو عالمية , و بدا للعالم أن التفاهم قد تم على كل الملفات و تم تقاسم مناطق النفوذ وفق التوازنات الجديدة و تعديل موازين القوى القديمة و إزالة نتائجها المتمثلة في اتفاقية سايكس – بيكو , بما يشبه يالطا جديدة .. لكن الدولة الروسية تدرك خطأ هذه القراءة و ترى فيها تحييدا ً لقوتها العسكرية التي تؤهلها لكسب الحرب , ولقناعتها أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تدفع بإتجاه حروب إقليمية أوعالمية , لإمتلاكها أدوات تفتيت أعتى الدول من الداخل إعتمادا ًعلى نسخها الإرهابية الإسلامية التكفيرية المتطرفة , بما فيها روسيا الإتحادية و دول الحكم الذاتي في الإتحاد الروسي , التي تنضوي على عرقيات وقوميات و إثنيات تكاد لا تحصى , و لم يغيب عن حساباتها أحقاد وأحلام بعض المكونات في محيطها الداخلي والحيوي لنزعات ثأرية تتبرص بالجيش الأحمر و تنتظر فرصتها المناسبة , فالعديد منها لا زال يُضمر إنتماؤه لدولة الخزر ( اليهودية – الصهيونية) خاصة في أنغوشيا و الشيشان تحت عنوان التشدد الإسلامي , خصوصا ً بعد وقوع بعض الأحداث الأمنية في روسيا على خلفية ٍ إرهابية متطرفة , بالإضافة للتفجيرات الإرهابية  لمساجد في أنغوشية و الإعلان عن 160 متطرف أنغوشي يقاتلون على الأراضي السورية , و بروز قادة و مجموعات إرهابية طاجيكية و شيشانية و أوزبكية تتبع تنظيم "داعش" الإرهابي , الأمر الذي يبرر تصريحات الرئيس الشيشاني قاديروف  استعداد بلاده للمشاركة في محاربة الإرهاب ( حرب استباقية ) .. لقد كان لقراءة موسكو الدقيقة لما دعته الإدارة الأمريكية ب "عقيدة أوباما " و إبتعاده عن ضرب سورية بشكل مباشر , كشفا ً لنواياها بعيدة المدى التي تطال كلا ً من روسيا و إيران و الصين .

إن إستراتيجية الخداع و المراوغة الأمريكية دفعت روسيا لإكتشاف النوايا الحقيقة للإدارة الأمريكية بعيدا ً   الاتفاقيات الورقية و التي بقيت دون ترجمة فعلية خاصة ً في التهرب من تقديم لوائح التنظيمات الإرهابية الحقيقة .. فبعد دخولها العسكري القوي والمباشر و مشاركة الجيش الوطني السوري حربه ضد التنظيمات الإرهابية و تقدمه و حسمه العسكري , و مساهمتها بشكل فاعل في تغيير موازين القوى لصالحه على الأرض , فاجئت الجميع بسحب جزء ٍ أساسي من قواتها العسكرية و تخفيض عدد طلعاتها الجوية , وحاولت حصد النتائج في جنيف , لكن استمرار أميركا وحلفائها بتقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية و إعتمادها رأس حربة ٍ في تنفيذ الرغبة الأميركية الإسرائيلية السعودية التركية القطرية الهادفة إلى إبقاء سوريا مشتعلة تمهيداً لانهيار الدولة السورية وتفتيتها و تقسيمها.

لقد أظهرت الدولة الروسية – بحكمتها - نوعا ً من الإنكفاء و الهدوء , مما ساعد على كشف المزيد من المخططات و دخول الولايات المتحدة في صراعات مباشرة مع حلفائها و إنكشاف خداعها لتركيا و السعودية, فقد استغلت واشنطن تشكيل اللوائح الإرهابية في إعادة التموضع و حروب الإلغاء وتصفية الحسابات على حساب بعض التنظيمات في الغوطة الشرقية لريف دمشق , كما تحول الصراع في ريف الشمال السوري و مدينة الرقة و ريفها الشمالي و كافة المناطق و المدن الشمالية الشرقية و التي تحظى بتواجد كردي كثيف , و سيطرة قوات الحماية الكردية على مناطق واسعة , وانتشار متزايد لقوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية سياسيا ً و عسكريا ً وصل لحد قيادة المعارك هناك .. وسط بيئة ديموغرافية - سياسية متشعبة و مختلطة , استعملتها لإطلاق مشاريع تقسيم سورية من بوابة الفدرلة , و بزعامة حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي PYD , الذي أطلق مع فريق الفدرلة في سورية  في 1722016 وثيقة " إدارة الحكم الذاتي " .. في وقت ٍ اعتبره السوريون طرح ٌ غريب و مشبوه  من حيث الزمان و المكان و يثير التساؤلات و يضع المزيد من إشارات الاستفهام حول ما يسمى " قوات سورية الديمقراطية ", و أهدافها , وسط تصاعد لهجة قيادييها وتضاربها , بما يتجاوز الخداع السياسي ليلامس الكذب و النفاق , فقد سبق لصالح مسلم أن قال أن تحرير الرقة لا يستدعي تسليمها للجيش السوري و أن دخوله إليها خاضع للشروط و الإتفاق , في حين أكد مؤخرا ً " أن قواته لن تبقى في الرقة و أهل الرقة أحرار في اختيار حكامهم " , في الوقت الذي أعلن الناطق الرسمي بإسم قوات سورية الديمقراطية أن " هدف تحركهم الميداني يستهدف ريف الرقة الشمالي فقط و تضييق الخناق على إرهابيي داعش و قطع طريق إمدادهم المباشر من تركيا تلك التي لم تطلق طلقة ً واحدة عليهم "..   كذلك اللقاءات مع مسؤولين أمريكين رفيعي المستوى في السرّ والعلن يؤكد إرتباطها الوثيق و تبعيتها المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لتقسيم سورية و إقامة الكانتون الكردي على غرار الكيان الصهيوني , و ربطه جغرافيا ً بإقليم كردستان العراق الذي يحلم بتمدده و إتصاله بالكانتون الجديد و ضرورة حصوله على رئة بحرية تعطيه إمكانية الوجود و الحياة , و ليشكل الحدود الشمالية لمشروع "إسرائيل الكبرى" .

في وقت يتجاهل صالح مسلم و من وراءه الرد الرسمي السوري السريع و الحاد الذي أصدرته دمشق بعد الإعلان عن إنطلاقة مشروع الحكم الذاتي , والرفض الشعبي الكبير لدعوات الإنفصال كمقدمة للتقسيم , و الرفض الروسي لإقامة " النظام الإتحادي " بشكل أحادي و خارج إطار الحوار السوري – السوري في جنيف , و أكذوبة الرفض الأمريكي الذي أطلقته يومها  , و إدعت عدم اعترافها بأي منطقة شبه مستقلة أو أي حكم ذاتي في سورية و تأييدها لوحدة الأراضي السورية.

لقد بات من الواضح أن رفض واشنطن – المزمن – لإقامة مناطق عازلة تركية داخل الأراضي السورية, يستهدف تركيا كما يستهدف سورية.. وقد يكون أردوغان قد ابتلع الطعم الأمريكي 6 سنوات , و خاض معركة ً خاسرة , و آن له بعد أن إكتشف الخداع الأمريكي , إدراك أن المخطط الصهيو- أمريكي يستهدف تركيا أيضا ً , فإنتقال الإرهاب إلى المحيط الحيوي لروسيا و إيران و الصين يحتاج إتصالا ً جغرافيا ً و بؤرة ً إرهابية لتكون خزان الإرهاب والإرهابيين , لقد حمل أردوغان الأسفار كحمار حقيقي قصير النظر , و أدرك متأخرا ً ما يُحاك له و لبلاده بعد أن تلطخت يداه بدماء السوريين و ملئ بلاده بالإرهابيين و قدم لواشنطن ما لم تحلم به , و دفع بسمعة بلاده و أمن مواطنيه نحو الهاوية , وحوّل تركيا إلى قنبلة موقوتة ذاتيا ً , فمن السخط الشعبي إلى الغضب الوطني و الإنقسام السياسي الذي وصل حد العداء , بالإضافة إلى تربص قادة المؤسسة العسكرية و جنرالاتها الفرصة لعودتهم و ثأرهم لكرامتهم .. لقد تأخر في إبعاد داود أوغلو , و قضى على غالبية فرص إنقاذ تركيا .. و لن تسعفه دواعشه أو توغلاته في الأراضي السورية , و لن يحميه جدار عازل يتهاوى قبل إشادته .
لقد أعمته أحلامه و أطماعه العثمانية , و أراد قضم المزيد من الأراضي السورية مع انتهاء مفاعيل إتفاقية سايكس – بيكو في أيار 2016  , و حلم بقيادة ٍ إخوانية تضع العالم العربي و الإسلامي تحت إبطه و يتجه بها نحو أوروبا كالثور الهائج لفرض شروطه .. لقد كان واهما ً حقيقيا ً , دفعه الصمود السوري لأكتشاف أخطائه بعدما وضع بلاده في مهب الريح بمواجهة رفضه أوروبيا ً, و تحت سطوة الإنتقام الروسي الذي مدّ له يد العون مرارا ً وحاول ترويضه سياسيا ً و إغرائه إقتصاديا ً ليكون بقاءه طبيعيا ً وفاعلا ً في محيطه .
فبعد إتضاح الصورة قد يجد أردوغان فرصة ً ذهبية ً ليعود إلى رشده راضيا ً بخسائره , نتيجة إنعدام أفق استمرار حربه على سورية , وبعد أن رصد مواقف سورية رسمية و شعبية  تدين إعلان الفدرلة الكردية في سورية , و يستطيع من خلال العودة و تبرير عدائه و قصفه و ملاحقته لهم في سورية و العراق , وقد يجد مفتاح الباب الذهبي في إلتقاء مصالحه و مصالح الدولة السورية في الملف الكردي الذي حاول نبشه وحلّه بمفرده على الأراضي السورية , في الوقت الذي تعتبر دول سورية و العراق و تركيا و إيران والعديد من الدول في المنطقة و الإقليم و العالم معنية فيه.. و قد يسعى مجبرا ً وبعنجهيته الفارغة إلى تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسورية , والعودة عن تمرده الدولي و الظفر برضى الروس والأمريكيان والإيرانيين والأوروبيين في لحظة ٍ تاريخية تسوى فيها الملفات , وأعتقد أنه يملك الفرصة ليعود كما بدأ بتصفير عدّاد المشاكل مع دول الجوار بعد أن وجد كبشا الفداء " الملف الكردي" و " داود أوغلو" لتبرير جزءا ً كبيرا ً من أفعاله على مدى السنوات الست الماضية , مع فارق عدم الثقة به و بحكومته و بحزب العدالة و التنمية .. فهل يجرؤ أردوغان على مدّ يده للرئيس الأسد مجددا ً ؟ فسورية  تسير نحو نصرها الكبير بثقة ٍ و لن تنتظر صحوة الأغبياء , و ما يُطرح اليوم قد يكون مستحيلا ً في الغد .

المهندس : ميشيل كلاغاصي