كيف نعيش؟ .. بقلم: إيفلين المصطفى

كيف نعيش؟ .. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ مايو ٢٠١٦

Evlism86@gmail.com
سؤال يتداوله السوريون بين بعضهم بعضاً، "كيف عايش بهالأيام؟"، وللأسف يبقى هذا السؤال وحتى الإجابة عنه بعيدة كل البعد عن طاولة مجلس الوزراء، حيث يكتفي مجلس الوزراء بإصدار بيان عن الجلسة الأسبوعية يتضمن أن المجلس بحث وناقش العديد والعديد من القضايا الاقتصادية والمعيشية التي تهم المواطن وتلامس حياته اليومية.
ولكن لنذهب خارج أروقة مجلس الوزراء، هل جرب أحد المسؤولين أن يقحم نفسه في تجربة للوصول إلى جواب عن سؤال "كيف نعيش؟"
بإمكاني أن أجزم أنه لا يوجد من بين هؤلاء المسؤولين من لديه الجرأة لأن يجرب العيش ولو لمدة شهر واحد بدخل مقداره "30 ألف ليرة"و بحسبة بسيطة لا تحتاج لعناء التفكير والتحليل، ومراجعة كتب وأبحاث الاقتصاد العالمية، ونظرياتها التحليلية، نجد أن أغلبية السوريين يعيشون على مستوى خط الفقر، والبعض الآخر منهم يعيش تحت مستوى خط الفقر وذلك بالاعتماد على مقياس حدده البنك الدولي، معتبراً أن خط الفقر هو "1.9 دولار يومياً"، وبالورقة والقلم نجد أن أغلبية السوريين ممن لديهم أجر شهري يترواح بين "25 ألف ليرة و 30 ألف ليرة" يعملون ويعيشون عند مستوى خط الفقر، في حين من لا يتجاوز دخله الشهري "20 ألف ليرة" فهو حتماً يعيش تحت مستوى خط الفقر، وبالطبع هذا مؤشر إلى أن خطوط الفقر تساهم في تدمير النسيج الاجتماعي السوري، بالتوازي مع الحرب التي دمرت البنية التحتية واستنزفت المكون السكاني بكل أشكاله.
يفترض أن يقرع هذا المؤشر جرس الإنذار في أروقة مجلس الوزراء، وأن يحثهم على الاستيقاظ والتنبه بأن الجهود التي بذلت لضبط ارتفاع سعر صرف الدولار، ستبقى مكللة بالفشل طالما أن أسعار السلع مازالت مرتفعةـ ولا تستجيب لأي انخفاض بسعر الصرف، ومستمرة بالعمل وفق سياسة الاتجاه الواحد "one way"
 مؤخراً ضجت العديد من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بالإجراءات التي اتخذها البنك المركزي السوري لتخفيض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بعد أن وصل إلى سعر 650 ليرة، ليتراجع بعد ذلك إلى حدود "600 و 590 ليرة"، لكن يبدو أن الحاكم ومن معه من مسؤولين اقتصاديين تناسوا أن التجار كانوا قد سعروا بضائعهم على سعر صرف 650 ليرة مقابل الدولار الواحد، ولم يقوموا بتخفيض أسعار السلع، علماً أن البعض منهم قام بإخفاء السلع وامتنع عن البيع بحجة عدم الاستقرار في سعر الصرف، وعلى سبيل المثال نذكر أن سعر صحن البيض ارتفع من 900 ليرة إلى 1200 ليرة، إضافة لأسعار اللحوم وغير ذلك من سلع مثل الحليب واللبن والجبنة...الخ
ربما لا يعلم المسؤولون أن المواطن يقبض أجره الشهري بالعملة المحلية، ويشتري سلعه الغذائية بالدولار بمعنى أن السلع مسعرة وفق سعر صرف الدولار الذي تجاوز 650 ليرة.
إن الاستمرار في التغاضي عن ضبط الأسعار، ووضع حلول إسعافية مترافقة مع قوانين صارمة وشديدة، سيفاقم من صعوبة الأمور، وسيجعل الحلول صعبة على المدى البعيد، باعتبار أن أغلبية التجار يعملون وفق مبدأ الاحتكار والاتفاق فيما بينهم على وضع حد أدنى للأسعار لا يتم تجاوزه أو كسره، ما يبقي أسعار السلع مرتفعة، وبالتالي هذا الأمر سيدفع المستهلكين للرضوخ لهذه الأسعار ودفع ما يملكون لشراء احتياجاتهم الأساسية لمرة واحدة شهرياً حيث باتت تكلفتها تتجاوز 50 ألف ليرة سورية.
ويجب ألا نتجاهل أمراً في غاية الأهمية وهو أن المواطن السوري لا يعيش فقط ليأكل ويشرب، بمعنى أن عمله وأجره الشهري لا يقتصر إنفاقه على الأكل والشرب بل أيضاً هناك الماء والكهرباء والغاز والأدوية وأجار المنزل والمواصلات، والاتصالات، جميع هذه الأمور يجب أن تضاف للإجابة عن سؤال "كيف يعيش المواطن السوري حالياً؟ لنجد أنه يحتاج إلى ما يعادل 150 ألف ليرة شهرياً "أي "270 دولاراً "  ليتخطى حد الفقر بضعة أمتار فقط، هذا الأجر الشهري سيضمن له حياة تقشفية لكنها مقبولة نوعاً ما في ظل الظروف الحالية، علماً أنه يجب عليه أن يشطب من قائمة معيشته  "الحلويات واللباس واستقبال الضيوف وأن يصلي كي لا يحتاج لعملية إسعافية أو دواء أو أن يرزق بطفل في ظل هذه الظروف، وخاصة أن احتياجات الأطفال ومستلزماتهم باتت أسعارها في حدود لا يقبلها العقل ولا المنطق"
نأمل أن تأخذ الحكومة القادمة في حال شملت رياح التغيير الحكومة الحالية، هذه المؤشرات في اعتباراتها وبرامجها المستقبلية، وأن تبحث عن حلول بعيدة كل البعد عن جيوب المواطنين، وألا تكرر السياسات السابقة.
يدرك الجميع أن الحرب ساهمت في تقليص موارد البلاد، لكن من المستحيل إقناع المواطنين بحجة الحرب في حين أن كثيراً من المسؤولين مازالوا يعيشون برفاهية أكثر من السابق ولا يشعرون بحاجة لضبط الأسعار أو محاسبة الفاسدين باعتبار أن المواطن السوري قادر على أن يدبر أموره وحده، لكن يجب على الحكومة القادمة أن تعلن حالة من الطوارئ الاقتصادية  تجبر من خلالها التجار على تجميد الأسعار وأن تعيد دراسة كلف السلع والمنتجات في الأسواق، وإلا فإن الفقراء سيحطمون خطوطهم حتى ولو كانت ستقضي على حياتهم، باعتبار أن "الجوع والفقر في هذه البلاد كافر"