الرقّة بين الـ«رامبو» الأميركي و«السوبرمان» الكردي..

الرقّة بين الـ«رامبو» الأميركي و«السوبرمان» الكردي..

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٧ مايو ٢٠١٦

عمر معربوني - بيروت برس -
المتتبع لمسار القوات الكردية منذ اعلان الحرب على سوريا لا يحتاج الكثير من الإجتهاد ليتبين طبيعة الأهداف التي ترتبط بطموح تاريخي لإقامة الدولة الكردية يجد طريقه الى العلن أحيانًا وينكفئ أحيانًا أخرى، وانا هنا لا اتكلم عن مرحلة بعينها وانما عن مراحل مختلفة ترجع الى مئة عام مضت.
إذًا، يمتلك الأكراد هدفًا يعملون من أجل تحقيقه وهم استطاعوا في العراق ان يُنجزوا جزءًا من هذا الهدف عبر قيام اقليم كردستان الذي ينتظر بدوره الإنتقال الى مرحلة الإستقلال الكامل، وهو أمر لم يعد خافيًا وقد اعلنه الكثير من المسؤولين الأكراد وعلى رأسهم رئيس إقليم كردستان مسعود الرزاني، عبر مناورة دعا فيها خلال شهر شباط الفائت الى الإستفتاء على استقلال اقليم كردستان عن العراق، وهو أمر سبقه في شهر تموز عام 2015 اعلان اقليم كردستان استقلاله في بيع النفط الخاضع لسيطرة الإقليم.
أمر آخر لا بد من تذكره، وهو العلاقة الحميمة التي تربط الأكراد بكل من اميركا والكيان الصهيوني والتي ترجع الى ستينيات القرن العشرين، وما نراه اليوم من تعبير عن هذه العلاقة يجب ألّا يكون موضع استغراب او استهجان من أحد، وما تبيان هذه العلاقات إلّا بهدف الذهاب في التحليل نحو الواقعية خصوصًا أنّ المسألة مرتبطة بعنوان الموضوع والذي لا يستهدف الإثارة ولا التشويق بقدر ما يستهدف الدلالة على طبيعة المعركة التي ستخوضها القوات الكردية بدعم اميركي بمواجهة تنظيم "داعش"، الذي اعلنت اكثر من شخصية أميركية ومنهم هيلاري كلينتون والجنرال ويسلي كلارك وغيرهم الكثير أنّه صناعة اميركية وهو امتداد لتنظيمات عديدة تم اطلاقها ودعمها منذ عام 1978 مع انطلاق العمليات "الجهادية" في افغانستان لمواجهة الإتحاد السوفياتي.
والسؤال الذي يتبادر للأذهان بعد هذه المقدمة هو: هل نحن امام تمثيلية المخرج فيها اميركا والممثلون القوات الكردية و"داعش"؟
المسألة ليست بهذا التبسيط طبعًا، وهي تتجاوز الكلام الشعبي المتداول الى الكثير من التراكمات والتعقيدات والتي تتم ادارتها من قبل اجهزة المخابرات ضمن اعتراض القوى الإقليمية الداعمة للجماعات المسلّحة وعلى رأسها تركيا وقطر على موقف اميركا الداعم للقوات الكردية، اميركا التي حاولت على مدى خمس سنوات ان تجد لها "معارضة معتدلة" لم تفلح إلّا بتدريب 60 طرزانًا، سلم 55 منهم أنفسهم وأسلحتهم لجبهة النصرة بعد انتهاء تدريباتهم وتكليفهم بمهامهم، تجد نفسها امام نموذج منظم ومتماسك يمثله الأكراد يمكنها من خلاله تحقيق مجموعة من المسائل المباشرة وغير المباشرة.
وبحسب ما تجري الأمور فإننا سنكون امام تكرار لنصر عين العرب "كوباني" يؤدي في المباشر الى ترسيخ القوات الكردية كقوات فاعلة وقادرة، ويفرضها كأمر واقع يساعدها في بناء الكانتون الكردي ويمكن من خلاله لأميركا التحكم ببعض مفاتيح المفاوضات، علمًا بأنّ هدف أميركا المباشر هو التوجه للرأي العام الأميركي بنصر على الإرهاب المتمثل بتنظيم "داعش" لإستثمار "الإنتصار" في انتخابات الرئاسة الأميركية.
في معركة عين العرب سقطت كل المعايير المتعارف عليها في خوض المعارك، واستطاع الأكراد الإنتقال من حالة الدفاع الى الهجوم المضاد، وألزمت اميركا تركيا بالسماح لقوات البيشمركة الكردية المرور عبر اراضيها والدخول الى عين العرب، وهو امر سيتكرر عبر تراجع تركيا عن تلويحها بإغلاق المجال الجوي امام طائرات التحالف الأميركي، فعندما يتعلق الأمر بمصالح اميركا تصبح الرغبات والهواجس التركية مجرد صراخ في الفراغ.
في الجانب العسكري سنكون امام مشهد فيه الكثير من التشويق والبروباغندا حيث سنشهد تساقطًا غير متوقع لمواقع تنظيم "داعش"، خصوصًا أنّ التنظيم بدأ بتنفيذ اعادة تموضع لقواته وتضييق مساحة سيطرته الجغرافية والسماع لعائلات مقاتليه في الرقّة الإنتقال الى اماكن اكثر امنًا. وبتقديري أنّ سيطرة القوات الكردية على الرقّة لن يؤدي الى اضعاف تنظيم "داعش" اذا ما علمنا ان مراكز القيادة والسيطرة للتنظيم لم تعد موجودة في الرقّة، وهي إجراءات ينفذها التنظيم تحت مرأى اميركا، فمن يعتقد ان اميركا تهدف الى القضاء على "داعش" في الوقت الحالي هو واهم، حيث يوفّر هذا التنظيم لأميركا فرصة محاربة الوحش للإستمرار في إستثمار الفوضى وما سيحصل هو استمرار لسياسة ترويض الوحش وليس القضاء عليه.
واقعيًا لا تستطيع القوات الكردية (12 الف مقاتل) المطعّمة ببعض العرب من تحقيق السيطرة على مساحات شاسعة، بما فيها مدينة الرقّة التي اذا انسحب منها تنظيم "داعش" سينسحب بالتأكيد الى اماكن تمكنه من الحفاظ على الطريق الرابط بين جرابلس ومنبج ودير الزور وصولًا الى الميادين والبوكمال، وهو ما سيحصل برأيي لأن اميركا لا تريد اقله حتى نهاية العام الحالي ان ينهزم "داعش" كليًا.
مع بداية العمليات بإتجاه الرقّة سنشهد تعاظمًا لرامبو الأميركي وسوبر مان الكردي عبر مشاهد متتالية تظهرها اميركا كمنتصر وقادر على تحقيق الهزيمة في الإرهاب، وإبراز الأكراد كشريك يعوّل عليه لتحقيق الهدف الأكبر لأميركا وهو زرع اسفين التقسيم الأول كنموذج ستعمل اميركا على تعميمه، فإن كان النموذج الأول سيكون على اساس قومي فما يحصل في العراق من تباطؤ في القضاء على "داعش" قد يؤدي الى بروز النموذج الثاني على اساس مذهبي.
وإن تكلمنا عن الأهداف الأميركية، فإنّ المحور المضاد وهو محور المقاومة يمتلك بالتأكيد ما يمكنه من منع الكثير من هذه الأهداف الأميركية او اعاقة تنفيذها على الأقل في المرحلة القادمة التي ستشهد حماوة غير مسبوقة، في ظل وصول الاميركيين والروس الى خط مسدود في عدم التمكن من التفاهم على الكثير من القضايا ما سيفسح المجال لعودة المعارك الكبرى.
*ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.