الرقة والدستور والدولة الهشة..بقلم: مازن بلال

الرقة والدستور والدولة الهشة..بقلم: مازن بلال

تحليل وآراء

الخميس، ٢٦ مايو ٢٠١٦

لا يوجد «نموذج سوري» داخل الصراع القائم حاليا، فالإصرار الدولي على «وحدة» أراضي سورية هو مدخل لرسم توافقات وخطوط أزمات جديدة، والسيناريو القائم هو إيجاد فراغ سياسي يتم ملؤه ببنى هشة غير قادرة على الوصول إلى دولة قوية، وفي الوقت نفسه رسم قواعد اشتباك بين الدول الكبرى تقلل من احتمالات التصادم المباشر، فالحديث عن التوافقات الروسية – الأميركية هو نوع من «إدارة الخلافات» واستيعاب النتائج المترتبة عن الصراعات الدائرة، وتبدو مؤشرات التحركات العسكرية نحو الرقة اختبارا حقيقيا لكل الترتيبات التي وضعتها موسكو وواشنطن بشأن الأزمة السورية.
عمليا فإن الدعم الأميركي لقوات «سورية الديمقراطية» لا يملك غطاء سياسيا واضحا، فهو يعتمد على فرض أمر واقع وإيجاد مساحة نفوذ «رمادية» لواشنطن داخل الجغرافية السورية، فالمسألة تبدو ضمن اتجاهين:
– الأول إثبات وجود قوة حليفة على الأرض حتى ولو كانت هذه القوة غير قادرة على رسم مشروع سياسي، وذلك في مقابل الاعتماد الروسي على الجيش السوري في مسألة محاربة الإرهاب.
ما قامت به واشنطن هو منح قوات «سورية الديمقراطية» شرعية التمثيل على الأرض؛ عبر ما يقارب 3000 مقاتل من العشائر، وهذه الخطوة لن تغير كثيراً من طبيعة الحزام الجغرافي الشمالي لسورية الذي يخضع لتبدل ديموغرافي سريع، وفي المقابل فإن محاولة فرض أمر واقع في الشمال الشرقي لسورية يخلق وبشكل متسارع «خط أزمة» جديداً مرتبطاً بنهر الفرات، حيث لا يمكن التعامل مع هذا النهر وفق واقع سيؤثر في كل المناطق السورية باتجاه الغرب.
– الثاني إزاحة منطقة الصراع مع تركيا باتجاه الجنوب، حيث ستفرض المعارك لاحقا «حزاما جغرافيا» جديدا يمكن للسوريين الأكراد التعامل معه من دون التصادم المباشر مع تركيا، وهذا ما يفسر رضى أنقرة، أو عدم امتعاضها، من التحرك الكردي باتجاه الرقة.
هذه الصورة يرافقها عمليا حديث متصاعد حول دستور جديد لسورية، وتسريبات متعددة تتحدث عن اللامركزية الإدارية، ويبدو الاهتمام الأوروبي واضحا أيضاً في مسألة الدستور الذي ينظر لمرحلة «ما بعد الدولة الوطنية»، فالنموذج السوري يتم «خلقه» تماشيا مع الوقائع المتسارعة، وبشكل يتطابق عمليا مع منع الاشتباك الدولي نتيجة الحرب الدائرة.
الإقرار بانتهاء سايكس – بيكو لا يعني نهاية الحدود السياسية القائمة حاليا، بل الاعتماد على مقاربة أخرى خارج إطار الدولة الوطنية التي ظهرت بعد جملة اتفاقات دولية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فسايكس – بيكو والمعاهدات التي أُبرمت نتيجة مؤتمر الصلح في باريس أنتجت نظاما إقليميا انهار كلية، يظهر نموذجاً بديلاً منه لا حاجة فيه لخرائط جديدة، بل دول هشة كما في العراق ولبنان؛ تعتمد على توافقات متبدلة تمنحها الدول الكبرى شرعية، أو تتركها غارقة في أزمات سياسية مستمرة، وتدعيم هذه الدول الهشة بدساتير تحمل بذاتها إشكاليات متعددة سيجعل من جغرافية شرقي المتوسط، وليس سورية حصرا، محمية دولية خاضعة لتصورات متعددة تنهي أي استقرار سياسي وحتى عسكري، فالشرق الأوسط الجديد سيبدو جغرافية مفتوحة لتسديد فواتير اقتصاد السوق المتأزم، ولحسابات التحول في هذا السوق بين النفط والسلاح والهجرة غير الشرعية.