معركة الرقة وأقنعة التاريخ..بقلم:إيهاب زكي

معركة الرقة وأقنعة التاريخ..بقلم:إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٥ مايو ٢٠١٦

بيروت برس -
حين طالب الشريف حسين بمملكة عربية موحدة ومستقلة في كل المناطق الآسيوية العربية، مقابل التعاون مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية، علق رولاند ستورز مسؤول مكتب الشؤون الخارجية البريطانية في القاهرة آنذاك ساخرًا بالقول "إنّ على الحسين أن يكون راضيًا إذا سُمح له بالاحتفاظ بإقليم الحجاز"، ورغم ذلك أرسل مكماهون رسالة مطمئنة وواعدة للحسين، لم يختلف المنطق الاستعماري في التعامل مع شعوب هذه المنطقة، كما أن منطق الشعوب لم يختلف في التعاطي مع وعود الاستعمار بالسذاجة ذاتها، حتى أن جمال باشا الشهير بالسفاح وحيث أنه كان يطمع بالخلافة، إبان استهداف الأرمن قام بالاتصال سرًا ببريطانيا عارضًا التدخل لوقف تلك المجازر مقابل مساعدته على الوصول لعرش السلطنة، معتقدًا أنّ "حلفاء الحرب العالمية الأولى" يهتمون كثيرًا لتلك المأساة من منطلقٍ إنساني، فخابت ظنونه لأن اهتمام الغرب كان مجرد بروباغندا إعلامية تساعد الحلفاء على شيطنة تركيا ومحورها وإثبات همجيتهم ووحشيتهم، وها هم "ثوار" اليوم لا ينفكون استجارةً بالغرب ثم عتبًا عليه، حيث أن شلالات الدماء لا يرف لها جفنه فيقصف بلادهم أو يستعمرها فينعمون بالأمن ويغنمون السلطة، فهي سذاجتنا ذاتها وسخريتهم ذاتها.
هبط الجنرال الأمريكي بيرت ماكفورك، مبعوث الرئيس الأمريكي لدى تحالف محاربة الإرهاب، بطائرته في عين العرب شمال سوريا في زيارة استمرت 11 ساعة، والهدف المعلن للزيارة هو تنسيق الجهود لتحرير الرقة من داعش بأيدٍ كردية وغطاء من قوات التحالف، وسؤال على هامش الحدث، أليست هذه المنطقة هي منطقة حظر طيران بمجرد وجود الجنرال وجنوده، أليست كذلك بشكل تلقائي، ولكنها منطقة حظر طيران على غير ما يشتهي أردوغان، حيث يريده حظرًا كمقدمة لاقتطاع الجغرافيا السورية ضمًا وأضعف الإيمان نفوذًا. وفيما الولايات المتحدة تبدو متحمسة لتحرير الرقة من الإرهاب ترد بفتور يشبه الرفض على عرض روسي بعملياتٍ مشتركة، في حين أن روسيا تعتبر أن الجيش السوري هو الطرف الوحيد القادر على محاربة الإرهاب، تراهن الولايات المتحدة على "جيش كردي"، فيما أردوغان يتعامل مع كليهما كإرهابيين، فيما العلاقات الروسية الكردية علاقات دافئة، فكيف تستطيع أمريكا التوفيق بين الأكراد كحليف وبين تركيا ثاني أكبر جيش في الناتو، وما الوعود التي تقدمها أمريكا للأكراد وما الضمانات التي تعطيها لأردوغان، وهل تَعْد الأكراد بدولة مقابل وعد االروس –إن وعدوا- بدستورٍ يضمن لهم حكمًا ذاتيًا وحصة في السلطة والثروة على غرار الدستور العراقي.
هل يكون طرح دستور جديد من قبل روسيا كعدو لتركيا أقرب لها من طرح الحليف الأمريكي بحق تقرير المصير للأكراد، في حين تبدأ ساعة الصفر لتحرير الرقة من داعش لن يطول الأمر كثيرًا لتعلن أمريكا تحريرها، فـ"داعش" الأمريكية قد فشلت ذاتيًا بتكريس منطق الدويلات، فيصبح طرد داعش هي وسيلة تكريس ذلك المنطق، حيث يتم استبدالها بقوات كردية لا يستطيع أحد اتهامها بالتطرف والتكفير والإرهاب، وحين يتم التحرير المؤكد سترفع الأعلام الكردية الصفراء في الرقة لا أعلام الدولة السورية، وستُغلّ اليد الروسية عن الاقتراب من الرقة كما أيضًا ستُغل اليد السورية، فتصبح الرقة منطقة مساومة، ولست متيقنًا من مدى التنسيق الكردي مع الجيش السوري، ولكن لنفترض إنه تنسيقٌ للدرجة القصوى، هل ستسمح أمريكا للقوات الكردية بأن تعيد مظاهر الدولة في الرقة بكل مؤسساتها وتُرفع عليها أعلام الدولة. إن الجيش السوري والقوات الحليفة لا يعجزون عسكريا عن استرجاع الرقة، وهنا يثور التساؤل الساذج، لماذا لا يفعلون، ثم السؤال الأكثر سذاجة بقاء الرقة تحت الاحتلال الأمريكي عبر داعش لحين توفر ظروف تحريرها سوريًا أم إعادة احتلالها أمريكيًا مرة أخرى عبر وجه معتدل، وبالتالي فرض حظر بري وجوي تلقائيًا، ووجه السذاجة أنه من سيمنع أمريكا من بدء الهجوم ومن سيمنع أوباما من تتويج ولايتيه بنصر جديد وصاخب إعلاميًا.
بعد زيارة الجنرال الأمريكي بيومٍ واحد تقع الجريمتان الإرهابيتان في جبلة وطرطوس، وبعد الجريمتين تقوم روسيا باعتبار أن هذه العمليات هي لإفشال المساعي السلمية، ثم تعلن عن هدنة في الغوطة الشرقية لمدة 72 ساعة، في ترجمة معلنة لتلك التصريحات، فتبدو وكأنها مقتنعة تمامًا بأن هذا هو الهدف من الجريمتين، بما أن الأمر شديد التعقيد فإن الإجابة على الكثير من الأسئلة أمرٌ متعذر وعسير، ولكن من اليسير الاستنتاج بأن خروج الرقة بهذا الإخراج الهوليودي يجب أن يقابله إعادة أريافٍ ومدنٍ ومحافظات أخرى إلى كنف الدولة السورية، حينها يصبح من السهل تذويب الوعود للأكراد بديهيًا أيًا كانت ومن أي طرفٍ كان، فيجب منع التاريخ من إعادة نفسه مجددًا في سوريا مهما تقنَّع، لأن السماح له بذلك سيعني أن أمةً بأسرها ستعود من معركة المصير حتى بلا خفّي حُنين، فإذا كان أوباما يريد تتويجًا بنصرٍ كمكافأة نهاية الخدمة، عليه أن يدفع ثمنًا باهظًا لذلك، ليس أقله حلب وأرياف دمشق، وفي النهاية فإني على يقينٍ تام من موت الحسين واندثار أثر جمال باشا.