نتنياهو يخادع مرة أخرى!..بقلم: جيمس زغبي

نتنياهو يخادع مرة أخرى!..بقلم: جيمس زغبي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٤ مايو ٢٠١٦

خاض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مدار أسابيع مفاوضات علنية، تهدف إلى ضم إسحاق هيرتزوغ، رئيس كتلة «الاتحاد الصهيوني»، إلى حكومته الائتلافية. لكنه، بصورة مفاجئة، فعل العكس تماماً. حيث أسقط هيرتزوغ، وبدلاً من ذلك ضمَّ أفيغدور ليبرمان اليميني المتطرف إلى حكومته.
وقد أصاب هذا التحرك الإسرائيليين وكثيرين في بقية دول العالم بالدهشة. وقبل يوم واحد فقط من إعلان نتنياهو، سال لعاب بعض المعلقين الليبراليين في أميركا بشأن أفق ائتلاف «نتنياهو - هيرتزوغ»، واعتمدت تقديراتهم على التفكير الحالم أكثر من التحليلات السياسية المنطقية. فتكهن البعض بأن الوحدة يمكن أن تجعل الحكومة «معتدلة»، بقصد تخفيف الضغوط الدولية على إسرائيل. وقبل يومين، عندما عرض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المساعدة في تسهيل محادثات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية، أصدر هيرتزوغ ونتنياهو بيانين متتابعين يؤيدان المقترح المصري، وسارع المعلقون إلى الإعراب عن تفاؤلهم.
وبرغم ذلك، لا يزال البعض يعتبر أن دخول «الاتحاد الصهيوني» إلى حكومة نتنياهو المتطرفة بمثابة وثيقة تأمين تضمن عدم تأييد أو اتخاذ إدارة أوباما أي إجراءات غير ملائمة تجاه إسرائيل في الأمم المتحدة، خشية تعطيل حكومة الوحدة الإسرائيلية الهشة. وقد اعتبرها أحد الكتاب الإسرائيليين «فكرة عبقرية»، برغم أنها خطوة تقليدية يفعلها نتنياهو، حيث يخدع اليسار ليمنح حكومته ورقة توت يستر بها عورة سياساته الاستيطانية العدوانية المستمرة في الأراضي المحتلة.
وبقدر ما رغب نتنياهو وهيرتزوغ، كل منهما لأسبابه الخاصة، في نجاح تمثيلية الوحدة المصطنعة، بقدر ما باءت بالفشل. وزاد حنق نتنياهو من وزير الحرب موشيه يعلون، الذي تجرأ مؤخراً بإشارته إلى حق جيش الاحتلال «في الاعتراض على الاستخدام المفرط للقوة». فما كان من نتنياهو إلا أن أعرب عن رغبته باستبداله. وقد بدا أن هيرتزوغ راغب في قبول الدور، لكنه أراد أيضاً مناصب وزارية رئيسية أخرى لكتلته. وكان ذلك يتطلب من نتنياهو استبدال شركاء آخرين في الائتلاف، لكن هذا من شأنه أيضاً تفكيك تحالف جناحه اليميني. وفي ظل استمرار حاجته لوزير دفاع غير مثير للمتاعب، وتوسيع الكتلة التصويتية المساندة لقراراته في حكومته الائتلافية، تحول نتنياهو بغتة إلى اليمين، وعرض على وزير الخارجية السابق، المتطرف أفيغدور ليبرمان، الانضمام إلى حكومته بصفة وزير دفاع، علماً أن الأخير كان قد دعا في السابق إلى «قطع رؤوس العرب».
وفي ضوء ما سبق، كشف نتنياهو عن الملامح الرئيسة لفلسفة حكمه، فهو مراوغ ماكر. وبرغم خداعه اليسار من حين إلى آخر، إلا أنه في جوهره متطرف يميني، وليست لديه رغبة في إنهاء الاحتلال أو تقديم العدالة للفلسطينيين. وحتى إذا انضم هيرتزوغ إلى ائتلافه، فلن يكون الأمر خطوة جادة نحو السلام. علماً أنه تجدر الإشارة أيضاً إلى أن نتنياهو ضعيف، ويخاف دوماً من الآخرين داخل وخارج حكومته، الذين يتحدّون سلطته. وإلى جانب إيمانه العميق بضرورة السيطرة اليهودية على ما يسميه «أراضي إسرائيل»، فهو يظهر رغبة دائمة بالحفاظ على سطوته الشخصية.
وحتى مع وجود كثير من الشخصيات المتطرفة في حكومة نتنياهو، كان زعيم المعارضة هيرتزوغ يستميت من أجل الانضمام إلى هذا الائتلاف لحمايته من المنتقدين في الغرب. ويواصل الأوروبيون التهديد بفرض عقوبات في وجه البناء الاستيطاني المستمر على الأراضي المحتلة. وفي هذه القضية بالتحديد، أظهر نتنياهو تطرفاً منقطع النظير. فأثناء فترة توليه المنصب، زاد عدد المستوطنين بأكثر من مئة ألف. وبرغم أن الأميركيين أعربوا مراراً وتكراراً عن استيائهم من السياسات الاستيطانية لنتنياهو، إلا أن إدارتهم تدرس الآن منح حكومته حزمة مساعدات مدتها عشرة أعوام وتقدر بنحو 35 مليار دولار، بينما يتطلع نتنياهو، بدعم من حلفائه في الكونغرس، إلى الحصول على ما يتراوح بين 45 و50 مليار دولار.