جرة قلم غير مسؤولة.. تقتل شعباً.. بقلم: إيفلين المصطفى

جرة قلم غير مسؤولة.. تقتل شعباً.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٢ مايو ٢٠١٦

Evlism86@gmail.com
فوضى عارمة.. غياب للرقابة.. عدم استقرار في الأسعار.. تقلبات في أسعار الصرف.. انخفاض للقوة الشرائية.. تضخم حاد.. جميع هذه الأزمات الاقتصادية، باتت تشكل عبئاً وهماً معيشياً يتعايش معه المواطن السوري في حياته اليومية على أمل أن يأخذ الفريق الاقتصادي والجهات المسؤولة إجراءات فعلية تنقذه من براثن هذه الأزمات التي تستنزف طاقته النفسية والاجتماعية, لكن يبدو أن الفريق الاقتصادي مازال منشغلاً في اتخاذ قرارات غير مدروسة وإن صح التعبير أكثر قرارات ارتجالية على مبدأ "التجريب"، وكأن خمس سنوات من عمر الأزمة لم تكفِ الفريق الاقتصادي لتجريب قراراته وخططه الاقتصادية التي في أغلب الأحيان كانت تكشف عدم صوابية القرارات وكانت سبباً لزيادة الطين بلة.
 في بعض الأحيان ربما يكون مبرراً اتخاذ قرار إسعافي، لكن من غير المبرر أن يتم اتخاذ قرار يلامس ما كان يعتبر في يوم من الأيام "خطاً أحمر" هذا الخط الذي يشكل الرمق الأخير لمواطن لم يعد يكفيه دخله الشهري لتأمين احتياجاته الغذائية.
مؤخراً شهدت المخابز ازدحاماً شديداً تجلى نتيجة إصدار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً مفاده تخفيض مخصصات الأفران الاحتياطية بنسبة 30% إضافةً لقرار يخص رخص المعتمدين، وكأي قرار يتم تداوله بين الناس من دون توضيح وتفسير أو تطمين انتشر خبر تخفيض المخصصات بين الناس على أن هناك أزمة خبز ستحدث قريباً ما دفع بهم للانتظار ساعات طويلة لتأمين ما يستطيعون الحصول عليه من خبز، والسبب هنا ليس طمعاً أو جشعاً كما يعتقد البعض وإنما نتيجة انعدام الثقة في قرارات الحكومة، وعدم الشعور بالأمان النفسي، وبالتالي فإن التدافع أمام الأفران كان مبرره العامل النفسي الذي فقده المواطن نتيجة تجاربه السابقة مع قرارات الحكومة سابقاً والتي كانت أغلبيتها لا تصب في مصلحة المواطن.
ونتيجة لانعدام المبالاة، لم تكلف وزارة التجارة الداخلية نفسها عناء تفسير وتوضيح أسباب اتخاذ ذلك القرار، بل اكتفت بعد أن ضجت الناس والصحف بالحديث عن ظاهرة الازدحام أمام الأفران، بالتراجع عن القرار وأعادت الأمور فيما يخص المخصصات إلى ما كانت عليه، وكأن حل أي مشكلة يحتاج فقط "لجرة قلم" إما بإصدار قرار أو التراجع عنه، وللأسف فإن اللجنة الاقتصادية في الحكومة تغاضت عما حدث، وكأن الخبز ميدان ليجرب البعض من المسؤولين اجتهاداتهم وقراراتهم غير المدروسة, لكن السؤال: هل ساهم إلغاء القرار في تلاشي ظاهرة الازدحام أمام الأفران؟؟ بالطبع "لا" والسبب كما سبق وذكرنا انعدام الثقة بين المواطن والمسؤول، إضافةً للعامل النفسي الذي سيدفع بالمواطنين لاقتناء كل ما يستطيعون تخزينه في منازلهم حتى وإن أصبح تالفاً مع الوقت وغير قابل للاستهلاك، السبب في ذلك سعيه لأن يشعر بالأمان النفسي بأن خبزه مؤمن في منزله.
ولأن للأرقام لغتها، كان لابد أن أسأل رئيس اللجنة الاحتياطية للمخابز سؤالاً عن كلفة إنتاج كيلو الخبز، إلا أنه وللأسف قال لي: إن لا أرقام دقيقة لديه، وكل ما لديه من معلومات هو أن ربطة الخبز تباع بسعر 50 ليرة، هنا حاولت أن أسأله عن سعر المواد التي تدخل في إنتاج الخبز، فيما إذا كان المخبز الاحتياطي يحصل على هذه المواد بسعر الدولة المدعوم، قال لي:" فقط نحصل على مادة الدقيق بسعر الدولة المدعوم أي بسعر 18.5 ليرة للكغ الواحد ويبقى سعر المازوت والخميرة والملح والماء يتم شراؤها بالأسعار الرسمية". مضيفاً: إن كيلو الخبز يكلف المخبز الاحتياطي ما يتجاوز 200 ليرة في حين يقومون ببيعها للمواطن بسعر 50 ليرة.
 كلام رئيس اللجنة الاحتياطية دفعني لأن أحسب تكلفة إنتاج كيلو الخبز وفق الأرقام التي ذكرها فكانت النتيجة أن كلفة إنتاج كيلو الخبز متضمنة أجور العمال والكهرباء لا تتجاوز 39 ليرة للكغ الواحد، أما كلفة إنتاج كيلو الخبز بأسعار السوق أي الأسعار الحالية " كغ من الطحين بسعر 160 ليرة ولتر المازوت بسعر 200 ليرة وسعر كيلو الخميرة بـ 800 ليرة وسعر الخمائر والملح وأجور العمال والكهرباء إضافة للماء جميع هذه المدخلات تكون المحصلة لسعر كيلو الخبز لا تتجاوز 195 ليرة، " والسؤال كيف يمكن لمسؤولين في الاقتصاد أن يضللوا ويخدعوا المواطن بأرقامهم بحجة الدعم، علماً أن المخابز الآلية التابعة للحكومة تحصل على السلع الداخلة في عملية إنتاج الخبز بسعر مدعوم أي بسعر أقل من الأسعار التي ذكرناها سابقاً ومع ذلك إضافة للمغالاة في كلف إنتاجها والتصريح بأنها تكلف ما يتجاوز 200 ليرة نجد أن نوعية الخبز في الأفران الآلية سيئة مقارنة بنوعية الخبز المنتجة من الأفران الاحتياطية.. وبالتالي لابد أن نطالب الجهات المعنية بأن تجد حلاً للخبز، "لحم الفقراء"، وأن تأخذ جرة قلم جريئة ومسؤولة تحاسب من خلالها من يسرق أموالها ويهدرها بحجة "الدعم" وأن تعيد للمواطن حقه وشعوره بالأمان النفسي.
يحدثني صديقي متسائلاً: أليس من حق المواطن أن تتم مساءلة المسؤولين عن سياساتهم الارتجالية، وتلاعبهم بقوت الشعب؟ أليس من حقه أن يرفع دعوة قضائية تجاه من تسبب له بالاستغلال نتيجة قرار مبهم غير واضح، ونتيجة قرارات تفتقد لآلية تنفيذ وتطبيق بعيداً عن تأثيرها بقوت المواطنين؟؟!!
يبدو أن طرح هذه التساؤلات في زمن الحرب لا جدوى منه، لأنه لم يحدث سابقة وإن تمت محاسبة مسؤول، وفي أفضل الأحوال تكون المحاسبة في إقالته فقط أي إلى المنزل، ولا تستغرب عزيزي المواطن إن شاهدت المسؤول بعد الإقالة سفيراً في إحدى الدول، لأن "جرة القلم" التي كانت قاتلة في حقك يوماً، ربما تكون هديةً له وترقية على إنجازاته السابقة.