حتى لا ننسى..

حتى لا ننسى..

تحليل وآراء

الجمعة، ٦ مايو ٢٠١٦

ذاكرة التاريخ تحمل الكثير من الأحداث التي تكشف عن حقيقة ما تتعرض له الأمة العربية، وبقراءة متأنية سنتعرف على العدو الذي يسعى إلى خلق واقع جيو ـ سياسي جديد، ورسم خريطة سياسية للمنطقة عبر كيانات عرقية وطائفية، وأن اتفاق ترسيم الحدود الذي تم بين البريطانيين والفرنسيين لم يعد صالحا أمام هوس غربي جديد لاستغلال الأقليات كآلية لتحقيق المصالح.

الخريطة السياسية للمشرق العربي تم الاتفاق عليها سرياً بين الفرنسي “فرانسوا جورج بيكو” والبريطاني “مارك سايكس” في أيار من العام 1916، ولم تظهر نتائج هذا الاتفاق سوى عام 1918، مع بداية انسحاب الجيوش التركية العثمانية من دمشق. وفي عام 1920، عقد الفرنسيون والبريطانيون فيما يعرف باتفاقية “سان ريمون” بوضع سوريا الكبرى والعراق تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني، فاقتسم الفرنسيون سوريا ولبنان، وخضع العراق وشرقي الأردن وفلسطين للانتداب البريطاني، ثم انتُزعَ لواء اسكندرون مما تبقى من الخريطة في اتفاق بين الأتراك والفرنسيين عام 1939، إلى أن استقرت الخريطة السياسية التي يعرفها الجميع اليوم.

1
ومع الألفية الجديدة بدأ المخطط الغربي الجديد يظهر في مناطق مختلفة من العالم، خصوصاً تلك المناطق التي تقف عائقاً أمام تحقيق رغبات التوسع الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، تارة من خلال ما يعرف بتصدير الديمقراطية وحماية حقوق الأقليات، فكانت “الثورات الملونة” التي بثت الفتنة والانقسام بين شعوب وثقافات مختلفة تعايشت في سلام، ثم اشتعلت نيران ما يعرف بـ “ثورات الربيع العربي” في منطقة الشرق الأوسط.

2
ما تشهده المنطقة اليوم جاء وفق خطة منهجية دعا إليها كثير من الخبراء الاستراتيجيين في المؤسسات العربية التي كانت مكلفة بتقديم دراسات في هذا الاتجاه لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” وإلى الإدارة الأميركية، والتي من بينها تلك الدراسة التي أعدها الخبير الاستراتيجي بمؤسسة “راند” لوران موريس، ودعت إلى “تبني حلول عسكرية متشددة إذا فشلت جهود الإصلاح في المنطقة العربية. وأن هذه الحلول العسكرية يجب أن تؤدي إلى واقع جيو ـ سياسي جديد”.

3
وفي حزيران من العام 2002، كشف القيادي في أوساط المحافظين الجدد، وليام كريستول، خلال مؤتمر دولي في إيطاليا، عن وجود “أجندة أميركية ستبدأ بالحرب على العراق وتنتهي بإسقاط الأنظمة الملكية في الخليج العربي وإعادة رسمالخريطة”. وفي نيسان من العام 2006، كشف تقرير لمعهد “غلوبال ريسيرش” الكندي، أعده غاري هلبرت عن “وجود مخططات أمريكية لتقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس عرقية وطائفية، وأكدت الدراسة أن نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني ونائب وزير الدفاع الأسبق بول ولفويتز كانا من أبرز المؤيدين لفكرة التقسيم”. ثم ظهر تقرير آخر للمعهد الكندي يكشف أن المرحلة المقبلة ستشهد نشاطا استخباراتيا مكثفا لتشجيع الأقليات في منطقة الشرق الأوسط للمطالبة بكيانات سياسية مستقلة”.

4
كذلك لا يمكن أن نتجاهل ما قاله وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، في محاضرته بمعهد “جيرالد فورد للسياسة العامة” التابع لجامعة ميشتيغان، عن فكرة تقسيم سوريا على أسس طائفية. وقال “هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار الأسد، أو انتصار السنّة، أو نتيجة تنطوي على قبول مختلف القوميات بالتعايش معاً، ولكن في مناطق مستقلة ذاتياً على نحو أو آخر، بحيث لا تقمع بعضها البعض وهذه هي النتيجة التي أفضل رؤيتها تتحقق”.

كذلك وزير الخارجية الأميركي جون كيري، كشف بشكل واضح على نية بلاده في تقسيم سوريا، واعتبر في تصريحات صحفية معلنة أنه “ربما يكون من الصعب إبقاء سوريا موحدة إذا استغرق إنهاء القتال فيها مدة أطول” ، ثم وزير الدفاع الإسرائيلي “موشي يعلون” يعلن على هامش المشاركة في مؤتمر ميونخ للأمن أن “الوضع في سوريا معقد للغاية، ويصعب رؤية كيف يمكن أن تتوقف الحرب”، وأن بلاده تتوقع تشكيل جيوب في سوريا سواء كانت منظمة أو لا، تشكلها مختلف القطاعات التي تعيش وتقاتل هناك، مؤكدًا أن سوريا “لن تكون موحدة في المستقبل القريب”.

5
وفي شباط من العام الجاري، يقول الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية CIA، مايكل هايدن، خلال الحوار مع شبكة الأخبار الأميركية “سي إن إن” “إن الاتفاقيات العالمية التي عقدت بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تنهار، ما سيغير حدود بعض الدول في الشرق الأوسط… الذي نراه هو انهيار أساسي للقانون الدولي، نحن نرى انهياراً للاتفاقيات التي تلت الحرب العالمية الثانية، نرى أيضاً انهياراً في الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فيرساي وسايكس بيكو، ويمكنني القول بأن سوريا لم تعد موجودة والعراق لم يعد موجوداً، ولن يعود كلاهما أبداً، ولبنان يفقد الترابط وليبيا ذهبت منذ مدة”.

6
هذا هو المخطط الذي يسير بالمنطقة العربية إلى جحيم من الحرب والدمار والقضاء على الثقافة والهوية، ويغذي النعرات الطائفية ويجعل المنطقة مرتعاً للإرهاب والتطرف، وعلى كل من يبحث عن الحقيقة فيما يجري  ليس في حلب فقط، بل في كل مكان في سوريا والمنطقة، أن يعود بالذاكرة إلى الماضي ليعرف من الذي يقتل ومن الذي يسعى إلى محو الثقافة العربية وفرض هوية جديدة غريبة على المنطقة.