بين الفرد والجماعة..بقلم: غسّان كامل ونّوس

بين الفرد والجماعة..بقلم: غسّان كامل ونّوس

تحليل وآراء

الخميس، ٥ مايو ٢٠١٦

لا تتوقّف العلاقة بين الفرد والجماعة على أنه يمثّل عنصراً ضمن مجموعة، يذوب في كيانها، وتتكوّن طاقتها من جمع طاقات عناصرها؛ ولا شكّ في أن الكائن البشريّ أهم من كونه جزءاً في آلة، يمكنه، إذا تعطّل، أو عُطّل، أن يتسبّب في إيقافها عن العمل؛ مع أهمية ذلك؛ وهو ليس عضواً في جسد يشتكي باقي أعضائه لشكواه، أو يتألّم لجرحه؛ ولا هو شجرة، تتشكّل غابة من تكاثر الشجر المشابه أو المغاير حولها. ويمكن لهذا الفرد أن يظلّ رقماً معدوداً في سلسلة تطول أو تقصر، تتغيّر حبّاتها بلا كبير عناء؛ أو يمكن أن يغدو كائناً بلا عدّ، بلا حضور، أو قيمة أو أثر، وشجرة بلا شبيه أو ظلّ، ويمكن ألا يموت من الجوع، ولا يفتقد ميزات أخرى، ويبقى في سجلّ المجموعة، وفي قيد الحياة!
ويمكن في الوقت عينه، أن يكون الفرد مؤثّراً، شاغلاً؛ سلباً أو إيجاباً، ويكون لظلّه حضور أقوى من شعلات احتراق الآخرين… أو على الأقلّ؛ وهو الأهمّ، أنه يحاول أن يبني لنفسه حيّزاً يُرى فيه، ويُحَسّ بوجوده من خلاله، وهيكلاً يلاحَظ من مرتسمه، ويسعى إلى أن يكون لحديثه إيقاع مختلف، وصدى مميّز، مع الأخذ بالحسبان الإمكانات المتوافرة، والاختلاف في الأسلوب، والعثرات والمحبطات والخيبات، وفرص النجاح، أو الإصرار عليه.
وقد تكون لدى الفرد قدرات يجهلها، وطاقات يتغافل عنها، ومَلَكات يتناساها، أو يقمعها؛ وقد يحرمه هذا من الإقدام على فعل يجني من خلاله الكثير، أو يؤخّر الدخول في مغامرة، يمكن أن تفتح أمامه أبواب، لم يكن يستهدي إليها، وتهيّئ دروباً لم يكن يخطو في سَمْتِها؛ ويؤدّي هذا، أو من المفترض أن يؤدّي، إلى أن تهتمّ الجماعة بهذا الفرد، مع تباين هذا الاهتمام شدّة واتجاهاً.
وتستطيع الجماعة أن تساعد الفرد فيها، وترفع من قيمته، أو تحسّن موقعه على الأقلّ، وإن كان لا يستحقّ. ويمكنها أن تحاصره، أو تخنقه، أو تنفيه داخلها أو خارجها، ولهذا قيل ظلماً، ونفاقاً، وحماية ذاتيّة ربّما: «إذا دخلت إلى مدينة العوران، فحطّ يدك على عينك!!».
صحيح أن الجماعة أقدر على المواجهة من الفرد، وأنّ كسر عدد من العيدان أصعب من الإجهاز على أحدها.. ولكن؛ من قال إن التماسك دائماً من مصلحة الجميع؟! فهل اجتماع على الباطل، أو على عُرفٍ متخلّف، أو على عادة قاتمة، أمر تجب المحافظة عليه؟! ولا شكّ في أن من سيُقدِم على اختراق هذه اللحمة، سيكون مضحياً، وسيجد المصاعب والتحدّيات، وقد يتعرّض للمخاطر، التي لا يعرف إلى أين سيصل معها.. ولكن للموقف ثمنه، يستطيع أن يتوقّع ذلك صاحبه، وأن يكون جاهزاً لتقديمه، إذا ما كان غير متوافق مع المجموع أو الأغلبية؛ وليس أي موقف؛ فليس الوقوف في وجه مجموعة خيّرة، أو لها توجّهات إيجابيّة، أو متعاونة في أعمال من مصلحة الجميع، أمراً محموداً، أو مقبولاً؛ وإن لاقى صاحبه- وسيلاقي- مآلاً عكراً.. في حين يخطّ المرء بريادته، وأفكاره المضيئة، مساراً يستدلّ إليه آخرون- ولو بعد حين- ربّما كانوا متردّدين أو مشكّكين أو خائفين أو يائسين، وقد لا يكون مصيره مضموناً… وقد يقود تمرداً، أو خروجاً على القانون، إلى تشكيل عصابة أو عصابات، إذا لم تجد من يحاصرها، أو يمنعها، أو يلفظها..!!
ومن المصائب أن تتواجه القوى المشكّلة بنياناً ما؛ تتنافس إلى درجة الإلغاء، وتتخاصم إلى حدّ الإفناء، وتزدري، وتسفّه، وتُحبِط؛ فتضعف الحال، وتسود العكارة العلاقات تشكيكاً، وتضليلاً، وعدم ثقة!
أمر آخر يؤثّر في أي كيان جماعيّ؛ فإذا ما فكّر كلّ في حاله ومصلحته ووقته، بصرف الاهتمام عن الآخرين، أو عن الكيان الذي يشكّل جزءاً منه، ويفكّر في أن ينتهي من مهمّته، من دون حدوث ما يعكّر، ثمّ ينبتّ عن هذا المكان أو الكيان؛ بمعنى آخر أن يكون هذا المرء وسواه بلا انتماء.. فسيكون هذا الكيان مفكّكاً من الداخل، قلقاً، يسهل اختراقه والتأثير فيه، ولاسيما ممّن لهم مصلحة في ذلك، وهم يراقبون، ويتربّصون، ويتحضّرون.