درس من التاريخ.. بقلم: جميل مراد

درس من التاريخ.. بقلم: جميل مراد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣ مايو ٢٠١٦

ما إن دخلت الحرب السورية عامها الثاني حتى بدأت مراكز الأبحاث الغربية بالترويج لفكرة تقسيم سورية مستخدمين طرقاً مختلفة تتراوح بين دويلات مستقلة أو اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي والغاية من هذا كله تهيئة الرأي العام وجعل هذه الفكرة مطلبا جماهيريا وطريقا للخلاص.
ففي حزيران 2013 نشر معهد بروكينغز دراسة للباحث مايكل اوهانون يقول فيها: يجب حسم الصراع في سورية من خلال نظام فدرالي.
أما معهد ويلسون فقد نشر في آب 2013 خريطة لفض الاشتباك بين المعارضة والدولة على طول الخط السريع بين دمشق وحلب بحيث تصبح دمشق وحمص وحماة ومحافظات الساحل تحت حكم الدولة وتخضع حلب مع باقي محافظات الداخل لحكم المعارضة.
وعلى السياق نفسه بدأت الأوساط الإعلامية التابعة للمعارضة بالتسويق للفكرة نفسها وكانت هذه الأصوات تعلو مع ازدياد حدة الأعمال العسكرية، حيث بلغت هذه الحملة أوجها بعد دخول المسلحين إلى مدينة إدلب، مع التركيز على إبراز مفهوم جديد كانت الأوساط السياسية الغربية قد بدأت باستخدامه وهو مفهوم (سورية المفيدة) واعتمدوا بالتسويق له على الإجراءات الميدانية التي نفذها الجيش العربي السوري الذي قام بالتحصن حول مراكز المدن ومناطق التجمعات الحيوية فاعتبروا أن هذه الإجراءات ما هي إلا نتيجة لضعف الجيش وعدم قدرته على تولي الهجوم فاختار الوضع الدفاعي مرغما. وزعموا أن هذا المفهوم هو مطلب للدولة السورية وحلفائها حيث إنهم كانوا ينسبونه أحياناً للرئيس الروسي وأحياناً أخرى للرئيس بشار الأسد.
كان الرهان الأخير على سقوط مدينة حلب لتكتمل حدود سورية المفيدة بنظرهم ولكن حلب بقيت صامدة وتعزز الصمود بعد التدخل العسكري الروسي حيث استطاع الجيش العربي السوري إحراز تقدم كبير.
ولا تقتصر الانتصارات على حلب فحسب بل تمكن الجيش العربي السوري من استعادة ريف اللاذقية الشمالي وكسر حصار نبل والزهراء ومطار كويرس كما تقدم بشكل كبير في عمق غوطة دمشق واستعاد مطار مرج السلطان كما استعاد أيضاً عتمان والشيخ مسكين التي تعتبر أهم مراكز للإرهابيين في درعا وأحرز نصراً مؤزراً في تدمر والقريتين. مع كل هذه الانجازات على جميع الجبهات نجد أن الجيش العربي السوري قد انتقل من مرحلة امتصاص الصدمة إلى الهجمات المرتدة مستفيداً من حالة الارتباك السياسي التي تعيشها الأوساط الغربية ولاسيما الأوروبية منها حيث أدى الظهور المنظم لاتباع تنظيم داعش في أكثر من دولة أوروبية وقيامهم بهجمات في فرنسا وألمانيا وبلجيكا إلى إعادة هذه الدول للنظر في موقفها حيال الأزمة في سورية، إضافة إلى الدور الذي لعبته الحكومة التركية عبر استخدامها ملف اللاجئين كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي وتورط أردوغان وحكومته بتقديم كل أنواع الدعم لتنظيم داعش والاستفادة من شراء النفط الداعشي المهرب
كل هذه التقاطعات السياسية والميدانية أدت إلى تحول الموقف الدولي حيث إننا إذا قاطعنا بين النقاط التي طرحها الرئيس أوباما في ما سمي (عقيدة أوباما) وبين تصريحات الرئيس بوتين والصمت والارتباك الأوروبي نجد أن ما أريد له في البداية أن يكون إنكفاءة للدولة والجيش العربي السوري أصبح إنكفاءة للدول المتورطة في الحرب على سورية، فها هي تركيا تحاول عبثاً الهروب من مواجهة مشاكلها الداخلية عبر محاولة تصدير الأزمة وكانت آخر محاولاتها في تأجيج النزاع بين أرمينيا وأذربيجان. أما الكيان الصهيوني فقد علم جيداً أن منظومة إس400 تفرض عليه منطقة محرمة تمتد على مساحة سورية.
منذ مئتي عام تماماً قام نابليون بونابرت بغزو روسيا على رأس جيش جرار بلغ تعداده 680000 مقاتل وأخذ بالتقدم لمسافات طويلة في الداخل الروسي في محاولة لملاقاة الجيش الروسي في معركة حاسمة غير أن الفرنسيين كانوا كلما بلغوا مدينة روسية وجدوها تحترق والجيش الروسي قد انسحب منها غير مخلف وراءه أي شيء يستطيع الفرنسيون الاستفادة منه واستمرت الانسحابات إلى أن انسحب من موسكو بعد حرقها وتدميرها فدخلها نابليون معتقدا أن سقوط موسكو سيسقط القيصر وسيسعى الروس لعقد صلح معه خاصة بعد انتشار الإشاعات حول انهيار معنويات الجنود الروس وارتفاع مستوى السخط لدى الأهالي. ولكن فصائل الجيش الروسي التي أخذت بالهجوم على أجنحة الجيش الفرنسي قاطعة خطوط إمداده إضافة إلى برد روسيا الشهير والخسائر البشرية التي تكبدها الفرنسيون أدت إلى انسحابهم وبقيت مقولة القيصر الروسي الكسندر الأول لنابليون: أنا أستطيع الانسحاب حتى سيبيريا اتبعني إن استطعت.
الجيش السوري لم يقل مثل هذه المقولة ولكنه طبقها تكتيكيا على الأرض.