أوباما بين الاعتذار والمصالحة مع الذات

أوباما بين الاعتذار والمصالحة مع الذات

تحليل وآراء

الخميس، ٢٨ أبريل ٢٠١٦

د. قحطان السيوفي
خطاب (الاتحاد) الأخير للرئيس الأميركي باراك أوباما، ومقابلته مع مجلة (ذي أتلانتيك) في آذار 2016؛ خرج منها بأن الولايات المتحدة تعتبر اليوم قوة عرجاء، وغير موثوقة في السياسة العالمية.
بالمقابل الاتفاق النووي الإيراني، وزيارة أوباما الأخيرة إلى كوبا، ورغبة أوباما في زيارة هيروشيما… وربما زيارة فيتنام… تحتاج لقراءة متأنية؛ ترى ألا يُفهم ذلك أنه مصالحة مع الذات، واعتذار؟
السؤال الأكثر صعوبة على أوباما في الإجابة عنه كان حول السياسة الخارجية الأميركية: متى يجب على الرئيس الأميركي أن يأمر القوات المسلحة بالتدخل في حروب خارج حدود بلده، ومتى يجب عليها عدم فعل ذلك؟
كيف ينظر أوباما للنجاحات والإخفاقات في إستراتيجية الولايات المتحدة في العالم منذ نهاية الحرب الباردة؟ في رأي الرئيس أوباما أن الدبلوماسية الأميركية تبدو أحياناً فعالة عندما يتم دعمها من القوة الصلبة (العسكرية) مع رغبة في التهديد باستخدام القوة عند الضرورة.
في هذا السياق يأتي دفاع أوباما عن قراره بالتراجع عن قراره المُتردّد بضرب أهداف عسكرية سورية في عام 2013، حيث ساعده الرئيس بوتن، في قمة العشرين في بطرسبرغ يومها، بالخروج من أزمته… أوباما اليوم يؤكد قناعته ورفضه الشديد فكرة أن تراجعه عن تنفيذ تهديده بضرب سورية؛ قلص صدقية الولايات المتحدة في المنطقة… وهنا، يبدو أوباما مصمما على الاعتراض على المبادئ التي اعتمدها الرؤساء الأخيرون في الولايات المتحدة واعتبروها مهمة من خلال ممارسة القوة الأميركية… معتبراً أن القواعد القديمة لم تعد قابلة للتطبيق.
متجاوزاً مقولة: إنه «على القوة العظمى دعم تهديداتها، ليحترمها أصدقاؤها وتخيف خصوم الحلفاء والناتو، الولايات المتحدة تعتبر أن التحالفات في أوروبا وآسيا… عنصر أساسي لقوتها العالمية. ولعل هذا هو السبب في أن انتقاد أوباما لبريطانيا وفرنسا، بأنهما «من الراكبين بالمجان» في تنفيذهما حملة حلف الناتو التي أدت لتدمير ليبيا في عام 2011، وكانت نتائجها عكسية.
الولايات المتحدة تساهم بـ75% من ميزانية حلف الناتو. كان الخطأ في ليبيا، في رأي أوباما، أن قراره السماح للولايات المتحدة بلعب دور ثانوي في مهمة حيوية لحلف الناتو لأول مرة في تاريخه.
ينتقد خصوم أوباما ؛ تركيزه على ما لا ينبغي للولايات المتحدة أن تفعله، بدلا من التركيز على ما ينبغي لها فعله وبالتالي يشيرون إلى قيود وضعها على السياسة، أوباما كان واضحاً عندما أكد أن هذا هو الوقت للعودة إلى الدبلوماسية. بالمقابل منتقدوه يقولون؛ أوباما لم يعترف بأن الجمع بين الدبلوماسية مع القوة العسكرية ليس بقايا من «قواعد لعبة كانت تمارسها واشنطن».
سيغادر أوباما منصبه تاركا خلفه بعض البصمات يعتبرها إنجازات عالمية مهمة…
بالمقابل أوباما يعلن رغبته في زيارة هيروشيما وهو ما يساهم في اكتمال عقد التكفير الذاتيّ والاعتذار. فهيروشيما وناغازاكي اليابانيّتان، ضُربتا بالسلاح الذريّ الأميركيّ في أواخر الحرب العالميّة الثانية.
أمّا كوبا التي زارها أخيراً، فهي الجزيرة المجاورة للبرّ الأمريكيّ التي حاصرتها واشنطن منذ 1959. وإيران التي وقّعت معها الولايات المتّحدة وبقية الدول الكبرى الاتّفاق النوويّ، هي الدولة التي فرضت عليها واشنطن عقوبات منذ 35 عاماً…. وتردّد أيضاً أن أوباما ينوي زيارة فيتنام قبل انتهاء ولايته، ما يستدعي إلى الذاكرة فوراً الحرب الأميركيّة في فيتنام التي صارت من ملاحم القرن العشرين.
وفي هذا التوجّه شيء من الحسّ الأقلّيّ الذي صدر عنه أوباما كأفرو – أميركيّ وقد عُكس على الخارج الذي يُعدّ مقهوراً مثله مثل الأقلّيّات، ولربّما أحال أوباما موضوع العرب والذنب حيالهم إلى الأوروبيّين بوصفهم، هم، لا أميركا، الاستعمار التقليديّ للعالم العربيّ…. لكنّ المرجّح أنّه، مثل بقية رؤساء أميركا، اعتبر الموضوع الإسرائيليّ – الفلسطينيّ أقرب إلى أن يكون داخلاً أميركيّاً باعتبار أن (واشنطن) تعتبر نفسها مسؤولة عن أمن الكيان الصهيوني.
ومن جهة أخرى، فإن أوباما إذ يعتذر عن أميركا، يفترض في نفسه تمثيلاً قوميّاً لمسؤوليّة جماعيّة أميركيّة. وهذا الزعم التمثيليّ ينطوي على تنقية للذات الأميركيّة بما يجعلها، خطأً، وكأنها منزّهة عن ارتكاب الشرّ والخطيئة.
يُنظر المراقبون للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط على أنها سياسة ملتبسة ومشوشة، بل مشلولة.
نظرة تحليلية عميقة للموقف الأميركي من منظور المصالح لا من منظور المبادئ الإنسانية، تشير إلى أن المصلحة الإستراتيجية الأهم للأميركان في الشرق الأوسط تقوم على حماية وضمان أمن إسرائيل أولاً وأخيراً كما أن سياسة أميركا القائمة على الخداع (من طريق القيادة من الخلف) يحكمها نوع من الوهم ؛ لاستنزاف الإيرانيين والروس في سورية، وجرهم إلى أفغانستان أخرى.
وبنظرة واقعية لسياسة أوباما، يبدو وكأنه حقق بعض إنجازات للمصالح الأميركية والإسرائيلية. تلك هي سياسة المصالح التي قد لا تقيم للمبادئ الأخلاقية ولحقوق الإنسان اعتباراً حقيقياً وعملياً… وتستمر سياسة إدارة أوباما في إضاعة الوقت وعدم الحسم في «بازار التنافس» على مناطق النفوذ في العالم… ترى ماذا يُفهم من خطاب الاتحاد لأوباما وحديثه مع مجلة ذي أتلانتيك والاتفاقات الدولية والزيارات التي تمت، والمتوقعة؟… ألا يعني ذلك أنه نوع من المصالحة مع الذات، وأيضاً اعتذار عن سياسات عالمية أميركية خاطئة…؟