المؤمنون مصلحون.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

المؤمنون مصلحون.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٧ أبريل ٢٠١٦

الإصلاح حركة أفعال وحقائق ليس من عناصرها ألحان الأقوال، ولا من هوياتها أصبغة وألوان، والمؤمن حقاً هو من دلائلها، وإلا فإنه وشخصياته إنما هو غثاء كغثاء السيل: (فإما الزَبدُ فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، فالإصلاح إذاً مجاله الفكر والعلم، وقادته هم المفكرون المهمومون بقضايا الإنسانية والأمة والوطن، وإن كل ما ينشئونه من مشاريع يضربونها في الأرض إنما هي آليات وأنواع ووسائل للمفهوم الأعم- لا الوعظي التقليدي- للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يعلم أن من أساسيات علمه وعمله وإصلاحه إذا أراد أن ينصح لله ولكتابه العزيز أن يتعلم من خبرات باقي الأمم ولو كانت، من معادية أو غير مؤمنة فإنما يهمنا ما يعنينا وينفعنا، وبناء على كل ذلك فلا مجال في هذا للعنف والقتل والإرهاب، ولا لإسالة دماء الأبرياء، ولا لاستغلال أزمات الوطن والحياة أو التلبس بالوطنيات والإصلاحيات ليصب كل ذلك في مطامع نفوس أصحابها وغاياتهم.. وعندما يُرفع المصلح أو الثائر أو المؤمن، والمسلم سيفه وسلاحه وأنانياته وحظوظه على مصالح الأمة والمؤمنين من أهله أو الآخرين مدعياً الدعوة للإصلاح يكون فكره قد انتهى، ووطنيته أو تدينه قد سقط؛ فأين الدعوة وأين الإصلاح وأي معنى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا هان على أولئك قتل الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال باسم الإسلام وشهادتيه؟ وهو أمر لا تقره شريعة أرضية فكيف بشريعة رب العالمين الرحمن الرحيم؟.. أما الإسلام حقاً فقد اشتق اسمه من السلم والسلام والحب للعالمين.. ومستحيل عقلاً وشرعاً وعرفاً وسلفية أن يكون ديناً دموياً يسمح بسفك الدماء من غير وجه حق تتفق عليه جميع الأعراف والنفوس السليمة كما قال الله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا الحق)، وأين الحق في قتل النفس في الشوارع المزدحمة في المدن الإسلامية وغير الإسلامية، وكلهم يحرم الاعتداء على حرماتهم الثلاث إلا إذا اعتدوا وكانوا ظالمين، وهي حرمة النفس والعرض والمال؛ فهل هذه النفوس البريئة هي مجال الجريمة عبر المتفجرات المخفية أو السيارات المفخخة أو الأحزمة الناسفة أو قذائف الهاون والصواريخ وغيرها من المتفجرات؟ إن هذه الأمور إن حصلت فهي جريمة حاقدة مأجورة من شياطين الإنس ليس لها أي علة أو مسوّغ، فهي جريمة مروعة وكفى، وإن كانت هذه الأمور من أجل الوصول إلى سلطة أو لتغيير حكم أو سلطة أو لشهوة ما، فإن هذا المسعى لو أنه دخل إلى تغيير ما في العقول والنفوس وفق برامج مقنعة من الحق لتغيير الجهل إلى العلم والوهم إلى الحقيقة ثم سار السعي إليه من دون هذا العنف الدموي الذي يغضب الله تعالى ويبغي على الناس لكان قد بلغ كل ما يُرجى تحقيقه.. إن أعظم ما في دين الإسلام، وهو دين جميع الأنبياء- أن ميزان الحق عنده واحد لا يتعدد ولا يملكه أي مخلوق؛ فهو حصراً بيد الخالق الله عز وجل كما جاء في نصوص كلام الله في القرآن: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وأن هذا الحق لن يكون حقاً إذا تم فرضه بالعنف أو بأي وسيلة إكراه، ثم هو فوق الجميع حكاماً ومحكومين أو والدين أو أبناء أو مهما كانت القرابة أو القوة أو المصالح كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين..) النساء 135. إذاً هذا الحق القرآني الإسلامي له معيار واحد ومقياس واحد.. الجميع يرجعون في أمورهم إليه؛ بينما نجد في التوراة المحرفة أو عبر التلمود مبنية على أساس معيارين ومقياسين؛ معيار ومقياس خاص بشعب الله المختار عدلاً وإحساناً، ومعيار ومقياس آخر مختلف لباقي الناس مبني على إنكار الحقوق والإنسانية عن جميع الناس كما جاء في نصوصهم: (لا تقرض أخاك بربا؛ ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء مما يقرض بربا، وللأجنبي (غير الإسرائيلي) أقرض بربا لكي يباركك الله إلهك في كل ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها) سفر التثنية الإصحاح 23- الفقر 12، وهكذا نكتشف من خلال نفس النصوص التي يعتبرها هذا الشعب مقدسة نظرته الحقيقية لباقي الناس من الشعوب الأخرى التي تتبارى في إقامة إسرائيل الكبرى، ثم نشهد هذا القهر والظلم والعنصرية في كل ما يجري لأبناء الأرض للشعب الفلسطيني ولكل من يدعمه؛ هذا إن لم نتحدث عن دول عربية وإسلامية تركت الحق القرآني فعلياً لا إعلامياً وكانت عوناً للشيطان اليهودي العنصري، وليت العالم المتحضر وهؤلاء المتأسلمين يعلمون أن إنشاء قوة في الأرض تؤمن بالتمييز والتفوق على باقي الأمم معناه جرّ العالم كله إلى حرب عالمية جديدة- وقد ظهرت بوادر ذلك تماماً- كما جرت أفكار النازية وتفوق العرق الآري النازي وامتيازه على باقي العروق في العالم إلى الحرب العالمية الثانية، فذاق العالم أجمع ويلاتها واكتوى بنارها..، وأي حرب عالمية جديدة سوف تكون نهاية لحضارة الإنسان الحالي على الأرض!..، ومن حق نصوص الحق والحقيقة المقدسة قرآنياً وإسلامياً أن نسأل ماذا يُغني وماذا يَعني أن تملك هذه الأمة أعظم النصوص وأقدسها وأصدقها عن الله عز وجل، وأنها مفتاح جنة الحضارة الإنسانية كلها ولشعوبها في الحياة الدنيا وفي الآخرة إذا كانت هذه الأمة في صفحاتها العامة من المحيط إلى الخليج وفي غيرهما من أقطار الأرض مشلولة أو عاقة في الوفاء لهذه النصوص الربانية الصحيحة المقدسة أو كانت خائنة بل قد دلت دلائل أعمالها على أنها تؤمن بنصوص الحروف والكلمات وتشوه وتحرّف وتكفر بالمقاصد والمعاني والغايات؟!، فأي ردّة وارتداد عن الدين الحق أخطر من هذا الارتداد؟ بل هو أخطر من ردة من انقلب من الإيمان إلى الكفر علناً كما مضى!!..، وننظر بالمقابل إلى أمة الصهاينة واليهود، وعددهم جميعاً لا يبلغ في العالم كله خمسين مليوناً أو أقل من ذلك بكثير، وإذا بنا نرجو رضاهم ونخاف غضبهم!!..، وصدق فينا قول الله تعالى: (كَبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)..؛ وهل نحن  بحاجة إلى أن نمدح هذا الدين وهذا الإسلام وأنه وأنه.. الخ ثم عند الفاعلية والتطبيق هجران وعقوق؟
كالعيس في البيداء يقتلها الظما         والماء فوق ظهورها محمول.