المنار.. صدى الصراع الإقليمي.. بقلم: مازن بلال

المنار.. صدى الصراع الإقليمي.. بقلم: مازن بلال

تحليل وآراء

الأحد، ٢٤ أبريل ٢٠١٦

    يخضع الفضاء الإعلامي إلى شرط خاص مرتبط أساساً بتكوين المنظومة العربية، فالفضائيات التي انطلقت منذ أواسط التسعينيات كانت انعكاساً لـ"البترودولار"، وجسدت ظاهرة لا تنطلق من قاعدة البحث عن حرية المعلومات، أو حتى كسر احتكار السلطات في العالم العربي لوسائل الإعلام الجماهيري، فالفضائيات الأولى كانت برأس مال خليجي في وقت بدت فيه القواعد الناظمة للعرب سات محكومة بنفس الشرط الإعلامي للدول، والنتائج التي ترتبت عن هذه الظاهرة متعددة وعلى الأخص على المستوى الرقابي، ولكن مع الأزمة الحادة التي عصفت بالمنظومة العربية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، مروراً بحرب 2006 وأخيراً بقضايا ما يطلق عليه "الربيع العربي".
  عمليا فإن الحالة الإعلامية هي البعد الحقيقي لمحاولة الانقلاب على المنظومة العربية كلها، فهي ليست ظاهرة عائمة ومنفلته من الواقع الاقتصادي والسياسي الذي سيطر على المنطقة مع طفرات النفط المختلفة، لأن تراكم الثروات أسس هذه الظاهرة بعمقها وقدم نموذجاً لاستقطاب خليجي بالدرجة الأولى، وعندما تم إطلاق نطاق "النايل سات" فهو لم يكسر القواعد التي كانت مفروضة، وبدت الفضائيات مرآة لثقافة تنتقل بين الاستهلاك والتطرف، وعزلت الرأي السياسي من خلال "ليبرالية" مفتعلة أو استعراضية، والفرق الأساسي الذي كان يتوقعه الكثيرون هو أن تخلق الكتلة الثقافية الأكبر، أي مصر، حالة مختلفة لأنها أوجدت سابقاً ظواهر سياسية – ثقافية تنويرية ساهمت في دفع الواقع السياسي وتحريكه، لكن ما يحدث حتى اللحظة يوضح أن بناء منظومة سياسية – إعلامية هو أمر صعب، وأن الصراعات الإقليمية تشكل غطاء واسعاً لتحديد كل الظواهر السياسية والإعلامية.
   وإذا كانت قضية قناة المنار التي طفت على سطح ظاهرة القنوات الفضائية تشكل إحدى تجليات مشاكل التصادم السياسي، لكنها تبدو الأخطر، لأنها تعبر عن حالة مرتبطة بـ"حصار" الرأي الآخر، والاعتماد على نسق واحد مفروض داخل معظم الفضائيات، فهذه القناة اكتسبت رمزية أساسية نتيجة تعبيرها عن حالة مقاومة لها تأثيرها على الساحة الإقليمية، وفي الوقت نفسه تقف ضمن مسار حرج ضمن حالة التطرف التي تجتاح شرقي المتوسط، فالأزمة الناجمة عن منعها من البث على النايل تحمل مؤشرين:
-    الأول: هو اختبار لطبيعة العلاقات الإقليمية والعربية، فالقرار ليس بعيداً عن التحفظات الصادرة عن بعض الدول؛ بعد قرار جامعة الدول العربية اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وفي الوقت نفسه إشارة لحالات الحصار المرتقبة على عدد من الأطراف الإعلامية والسياسية، فحجب المنار يشكل في النهاية المشهد الذي يمكن أن تؤول إليه المنطقة في ظل الانقسام السياسي.
-    الثاني يرتبط بمصر تحديداً وبصراعها من أجل تثبيت موقفها السياسي الذي لا يزال متأرجحاً، ويدخل في هذا الإطار تصريحات وزير الخارجية المصرية، سامح شكري، في حواره الأخير مع "اليوم السابع"، عندما تطرق بشكل واضح إلى حالات الاستقطاب المذهبي في المنطقة ورفض مصر لها، فالسياسة المصرية على ما يبدو مازالت ترسم التوازنات من دون أن تضع قواعد جديدة أو مختلفة، فرفض الاستقطاب المذهبي يجب أن يستند في النهاية إلى تصورات سياسية فاعلة تزيل عوامل التوتر القائمة حالياً، ولم يكن حجب المنار إلا حلقة توضح أن الاستراتيجية المصرية ماتزال غير قادرة على تحديد آليات لهذا الأمر.
   إن القضية الأساسية المتعلقة بـ "المنار" ليست مسألة إعلامية لأنها تنطلق من الصراع الذي بدأ مع طرح "التسوية" في القضية الفلسطينية، وبالتأكيد فإن الرهان على مصر يبدو صائباً لأنها الكتلة السياسية والثقافية التي يمكنها تشكيل التوازن من جديد، ورغم الكثير من السياسات الحالية، فإنها أيضاً يمكن أن ترسم خطاً أعمق ضمن المحاور التي تتشكل حالياً وتكرسها الأزمات في شرق المتوسط.