موسم الحصاد العربي.. بقلم: رشاد أبو داود

موسم الحصاد العربي.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٢ أبريل ٢٠١٦

في موسم الجفاف، حيث لا غيم ولا مطر، ولا زرع ولا ربيع أخضر، تتشقق الأرض ويعطش البحر، تجف أوراق الشجر كما تجف عروق الأطفال، فلا حليب في أثداء الأمهات الجائعات، ولا مال في جيوب الآباء المقهورين، وما أصعب قهر الرجال. لقد مات المحصول وهو رضيع والسنابل عصفت بها الريح وقصفت عمرها في مهدها. اصفر كل ما على الأرض والريح أيضاً صفراء ساخنة.

للموسم الخامس على التوالي تتشقق الأرض العربية، فتخرج من بين الشقوق عقارب الفتنة وأفاعي الفرقة، تبث السموم في الجسد الواحد الذي كان «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». جسد الأمة اُنهك حتى بات على مرمى شهقة من الموت، المرض يستفحل ولا أحد قادر على وقف امتداد تسرب السم في الدم ولا أحد قادر على الوقوف على قدميه.

أصابع تكسرت وأصابع عضها الندم. لحم احترق ولحم ذاب في أسيد الأسياد، ولحم دفن حياً في مقابر الأخوة الأعداء. أمة تجلس القرفصاء بين الحياة والموت، على حافة الهاوية لا تستطيع أن تتقدم ولا أن تعود إلى الوراء إذ كيف يجلس على عظمه من فقد لحمه وقوته ووحدته؟!

تُرى كيف وصلت الأمة إلى هذه الدرجة؟ وكيف تسلسلت الأحداث بدءاً من حادثة البوعزيزي في تونس إلى ليبيا واليمن وسوريا ومصر؟ ومن هو المستفيد الأول والأخير من هذا التشظي العربي وحالة رجل العالم الهرم التي وصلت إليها الأمة؟

مخطئ وواهم ومدع للواقعية من يقول إن ما جرى ويجري هو فقط نتاج السياسات الدكتاتورية في الدول التي عصفت بها ريح ما يسمى الربيع العربي. إن ما جرى ويجري مخطط له من قبل الحركة الصهيونية التي يتزعمها الآن سراً برنار ليفي الذي لمع اسمه مع بداية ما يسمى الربيع العربي، فمن هو الرجل، وما هي الأدوار التي لعبها في البلدان التي شهدت ثوراتٍ ضد الأنظمة السابقة؟

إنه أبرز قيادات الحركة الصهيونية التي تؤمن أن اليهود هم «شعب الله المختار» وما عداهم مجرد عبيد يحل قتلهم، ومن لا يُقتل يُستخدم كأجير لخدمتهم. يبحث دائماً عن الضجة. برنارد هنري ليفي التقطت صوره في أوكرانيا خلال التظاهرات التي أطاحت بالرئيس السابق يونوكفيتش ثم رأيناه نفسه يدعو لخطة مارشال في أوكرانيا، تـشبه تلك التي وضعت لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

إنه الشخص المثيرٌ للجدل، الفرنسي اليهودي من أصلٍ جزائري، كان ابن أندريه ليفي منذ صغره محترفاً في البحث عن المتاعب، لم يخف يوماً تماهيه مع إسرائيل ودعمه لها حتى في أكثر لحظاتها قتلاً وقصفاً واحتلالاً.

حتى خلال تظاهرات باريس المنددة بالعدوان على غزة العام 2013، خرج الرجل الذي شارك بتأسيس الحركة الفلسفية الجديدة، بمواقف متحاملةٍ على الفلسطينيين ومؤيدةٍ لإسرائيل، فلم يشذ عن قاعدةٍ أرساها لنفسه منذ كان وكانت إسرائيل.

منتقدوه وصفوه بغراب الثورات، فهم يقولون إنه حيثما حل حل معه الخراب، كذلك الأمر كان في ليبيا، حيث لعب ليفي دوراً مهماً في الترويج لأهمية التدخل الدولي، ويقول إنه صاحب الفضل في إقناع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بتنفيذ ضرباتٍ هناك، وهو أيضاً دعا لشيء مشابهٍ في سوريا، ويقال إنه حتى اللحظة يدافع عن هذا الموقف بشراسة، لذا فهو يوصف بصاحب نظرية الحرب من أجل التغيير.

ليفي البالغ من العمر 66 عاماً، وصاحب ما يزيد على 30 كتاباً، وضعته صحيفة «جيروزاليم بوست» على لائحة الأكثر 50 يهودياً مؤثراً في العالم.

لقد اختلطت أوراق واحترقت أوراق في المنطقة. تحالفات تتصدع وأسرار تخرج من البئر لتطفو على سطح صفيح ملتهب وشعوب تتجرع العطش منفى منفى، قرشاً قرشاً ويوماً يوماً تسمع من يئن ويصرخ من تحت دمار الضياع «يُمّا.. يُمّا وينك يُمّا». الأم ماتت تحت القصف والأمة تترنح يميناً ويساراً والبوصلة تاهت.

لكن دائماً الخير في الأمة إلى يوم القيامة. ها هم الصهاينة يلعبون مجدداً لعبة 11 سبتمبر التي اخترعوها بأنفسهم وأوجدوا للغرب عدواً بديلاً للاتحاد السوفييتي. اقنعوا العالم أن الإسلام عدوهم والمسلمين، كل المسلمين إرهابيين يجب محاربتهم فيما هم أنفسهم من أوجد وشجع على التطرف ليشوهوا صورة الإسلام بدءاً من تورا بورا إلى الرقة والحسكة والموصل وسرت وبنغازي وتونس.

ثمة مؤشرات على أن الأمة بدأت تصحو وأن ربيعاً حقيقياً قد بدأ، وتدرك أن ليفي ونتانياهو والصهاينة ليسوا أبناء الشعب المختار. وأن النفط لأهله لا لتجار الأسلحة وقتل الشعوب وأن المليارات العربية بإمكانها أن تهز دولاً عظمى وأن تكون سلاحاً يرد التآمر على الأمة.