المثقّف... مهنة أم دور مجتمعي...؟! .. بقلم: سامر يحيى

المثقّف... مهنة أم دور مجتمعي...؟! .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ١٦ أبريل ٢٠١٦

"المثقّف، هو الشخص الذي يصقل الخبرات والمعارف المكتسبة خلال قراءاته ودراسته واطلاعه على ثقافات الآخرين وعلومهم وآدابهم بطريقة تناسب واقعنا وتجعلها قابلة للتطبيق"، وهذا يجب أن ينطبق على كل من يطلق على نفسه لقب "مثقف أو محلل سياسي أو اقتصادي أو عسكري أو اجتماعي ... إلخ".
من دون شكٍ تختلف ثقافة كل مجتمع باختلاف العادات والمعتقدات والبيئة والأفكار التي يكتسبها الفرد منذ نعومة أظافره، إضافةً للغزو الإعلامي فنجد كل شخص يتابع القناة التي تلبّي رغباته بعيداً عن صدقيتها، لمجرّد أنها تدغدغ مشاعره أو تلامس شيئاً من ثقافةٍ تلقاها، كما بات البعض ضائعاً حيث فقد ثقافته الأصلية التي نشأ عليها، ولم يتمكّن من مجاراة الثقافة الجديدة التي يعمل على اكتسابها ويدّعي أنّه فكرته، بينما هي تكون فكرة غيره تأثر بها من دون أدنى تفكير أو تمحيص أو تشخيص، ونجد انتشار النقد والسباب والشتائم لمجرّد النقد والسباب، وكذلك المديح لمجرّد المديح بعيداً عن الواقع والحقائق، وفي ظل انتشار المصطلحات والمفاهيم والكتب، بات ملحّاً نشر الوعي والثقافة لدى أبناء المجتمع، والاستفادة من تاريخنا الطويل والأشعار والقصص والروايات التي نتناقلها على لسان أجدادنا، ولاسيّما أننا في منطقة تمتد لما يربو على سبعة آلاف سنة، تعاقبت عليها أجيال بأفكارها وحضاراتها وانتماءاتها العرقية والدينية، وصولاً للنسيج الاجتماعي المتماسك الذي كان وما زال الوريد الذي يضخ الدماء لقلب العروبة النابض سورية.. وهذا ما يفسّر سر الأطماع تجاه المنطقة العربية، ويطلب منا التفكير جديّا لإدراك ذلك، وعدم تضييع منجزاتنا وتاريخنا الناصع، بمقارنة أنفسنا بالغرب، وجعله كأنّه خالٍ من الأخطاء، متجاهلين أننا نحن عندما نسافر للغرب نلتزم بقوانينه وقراراته أكثر من الغربيين أنفسهم، ونستشهد بكتب وروايات وحكم الغربيين، متجاهلين تاريخنا الطويل، بينما في الغرب مراكز دراسات متخصصة تتناول قضايانا وكتبنا وتاريخنا، للاستفادة منه... ونحن نتجاهل أن الغرب ليس العالم المثالي، وكذلك في الغرب من الإرهاب والفساد الكثير، إن لم نقل هو مهد الإرهاب، وهذا ما نشاهده في مسلسلاتهم وأفلامهم عدا عما نسمعه من حالات كثيرة من خطف وقتل وسبي ومافيات منتشرة هنا وهناك، عدا كشف ما سميّ زوراً وبهتاناً "الربيع العربي" إن عدداً ليس بالقليل من قادة الإرهاب هم من جاءنا من دول الغرب، ويحمل جنسيات غربية ونشأ تنشئة غربية لا عربية...
إن من يتحمّل مسؤولية هذه المقارنة وهذا التسخيف كل منا من دون استثناء، لأننا تجاهلنا تاريخنا الناصع، وافتخرنا بتاريخ غيرنا، ولم نستفد من تاريخنا ولا من تاريخ الآخر إلا بالنقد الهدّام وإضاعة الوقت واتهام بعضنا بعضاً وتحميل كل منا المسؤولية للآخر من دون تحمّله ولو جزءاً من مسؤوليته من موقعه أنى كان هذا الموقع والمكانة، فكلّنا مسؤول من دون استثناء أحد.
الكثير منا يشخّص المرض ويصف الدواء، ومع ذلك هو نفسه لا يتناول هذا الدواء، وإن تناوله يتناوله بطريقة خاطئة، على جرعات متباعدة، بحيث يكون ضررها أكثر من فائدتها، أو إهمال تناوله تحت حجج غير مبررة وإن كانت مقنعة شكلياً، ولاسيما عامل الوقت الذي لا نعيره أي اهتمام.
علينا أن نقرأ تاريخنا، من أجل التمكن للوصول للهدف المنشود ألا وهو استكمال بناء الوطن، والانتصار على الفساد والإرهاب بآنٍ معاً، ومصلحة الوطن هي مصلحة الجميع، والمأمول من مجلس الشعب الجديد القيام بدوره الحقيقي، فهو قد انتخب من الشعب، وواجبه أن يقوم بدوره على أكمل وجه وتعميق صلته بين الحكومة والشعب لاستكمال بناء الدولة، عبر معاناة وهموم ومشاكل المواطن للحكومة، ونقل ما تقوم به الحكومة للمواطن، بحيث يناقش ويدرس إمكانية تعظيم الإيجابيات وتعميمها، وتفادي السلبيات والقضاء عليها، ويساهم أيضاً في نشر الثقافة والوعي في المجتمع، تشجيع القراءة والاطلاع، ولاسيما كتبنا وتاريخنا المملوء بالإنجازات الناصعة والقصص الإنسانية المؤثرة، البعيدة عن التشويه والتحريف... وأهم ما أراه مناسباً، وبالتأكيد من يقرأ قد تخطر على باله أفكار أكثر أهميةً:
- قيام المؤسسات الإعلامية والثقافية بنشر الوعي والثقافة المجتمعية، ولا سيما في دور الإيواء والمؤسسات الحكومية، ودراسة الإمكانيات الأفضل لاستقطاب أبناء المجتمع والتأثير بهم، ضمن الإمكانات المتاحة، وإنقاذهم من براثن القنوات المخدّرة للعقل العربي التي تستخدم شعارات بعيدةً عن الواقع والمنطق، وإن كانت تستند لبعض أخطاء نرتكبها وشعارات تدس السم بالدسم.
- إقامة دورات تدريبية وتأهيلية مستمرة للمدرسين بكافة المراحل التعليمية كل حسب اختصاصه، للوصول للآلية الأمثل لإيصال المعلومة للطالب.
- إقامة دورات تدريبية وتأهيلية، لكل من هو على احتكاك يومي مع المواطن، ولاسيّما رجال الشرطة والأمن والموظّفين الحكوميين بمختلف أماكن وجودهم، فدورهم يساهم في إنماء حب الوطن والإخلاص له، أو الإساءة للوطن ورموزه.
- تفعيل دور المكتبات والمراكز الثقافية وعدم جعلها مجرّد منظر للتباهي والتفاخر.
- تشجيع تبادل الكتب وتوسيع المنافذ التي تسهّل ذلك.
- تشجيع طلاب المدارس والجامعات لقراءة الكتب وإعداد ملخص عن كل كتاب حسب الميول والاختصاص والرغبة وتعميمه على زملائه، ولا تكاد تخلو مدرسة من مكتبة، وبذلك نخلق فرصاً للقراءة، ونغني المكتبات بما هو جديد.
- تحويل مراكز بيع الكتب على الأرصفة إلى مكتبات وأكشاك لبيع الكتب وتبادلها بين القراء وطلاب المدارس والجامعات، ودعمها من الجهات المختصة.
- قيام المراكز الثقافية بتفعيل دورها وتشجيع القراءة، ضمن الإمكانيات المتاحة لها، وتبادل الكتب ونشرها مع المكتبات الأخرى والمدارس والجهات صاحبة الحاجة، والعمل على ابتكار منافذ جديدة لتشجيع القراءة وإعارة الكتب.
- إنشاء مكتبة تخصصية ضمن كل مؤسسة، وتكاد لا تخلو مؤسسة حكومية من كتب ومجلات موجودة لدى المدير أو السكرتاريا وقد ملأتها الغبار أو مجرّد منظر على المكتبة خلف المسؤول أو مدير مكتبه أو مرمية في مستودع المؤسسة.
    - أعجبتني فكرة أحد المطاعم بوضع بعض الكتب لرواده، وهذه فكرة إيجابية ما أروعها ليتم تسويقها بشكلٍ إيجابي وبناء.
- تحويل خطب الجمعة وعظات الأحد إلى منبرٍ حقيقي لنشر الثقافة والأخلاق ورفع مستوى الوعي والاحترام المتبادل لإنسانية الإنسان.
الإيمان بأن الثقافة هي أساس نجاح المجتمعات، وأن المرحلة التي تمر بها سوريتنا ليست مبرراً للتأخير، بل يجب أن تكون مشجعاً وداعماً للبدء بالخطوات الأولى، فنحن أحوج الآن من أي وقت آخر للقراءة والاطلاع والاستفادة من آراء وأفكار الآخر، لتشكيل ثقافة حقيقية مبنية على التفكير المنطقي المتناسب مع الواقع المعيش، لتنشيط العقل وتغذية الفكر، فالعقل السليم في الجسم السليم، والتفكير السليم في العقل السليم.