المجمعي مصطفى الشهابي في قراءة المجمعي ممدوح خسارة.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

المجمعي مصطفى الشهابي في قراءة المجمعي ممدوح خسارة.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٢ أبريل ٢٠١٦

المجمعيون كوكبة من مثقفي الأمة تنادت لتشكيل المجمع العلمي العربي في بدايات القرن العشرين واختار أعضاؤها رئيساً للمجمع أطلقوا عليه صفة "الأستاذ الرئيس" وكان ذلك الأستاذ الرئيس هو محمد كرد علي؛ واليوم يعمل المجمعيون اللاحقون على تقديم أولئك لنا، فقدم لنا المجمعي مازن المبارك كوكبة منهم في كتاب حمل اسم (المجمعيون الأوائل) كما صدر للمجمعي ممدوح خسارة كتاب وقفه على المجمعي الأمير مصطفى الشهابي، يعلن فيه أن الشهابي واحد من ألمع المجمعيين العرب ومن أكثرهم نشاطاً وإنتاجاً وتنوعاً في الثقافة وممارسة للعمل في ميادينها وميادين اللغة والأدب والإدارة والسياسة والنضال القومي. وهو الذي درس في الشام واسطنبول وباريس، وتخرج مهندساً زراعياً وغدت كتبه في الزراعة وما إليها وفي المصطلحات الزراعية والحراجية مرجعاً لا يستغني عنه المختصون. عرفته المجامع اللغوية في دمشق والقاهرة وبغداد وضمته إليها عضواً عاملاً، وعرفته محاضراً في قاعاتها، وكاتباً في مجلاتها.
كما عرفته المناصب الإدارية، فكان مديراً لأملاك الدولة وكان محافظاً لحلب ثم محافظاً للاذقية فأنشأ في كل منهما المكتبة الوطنية وكان سفيراً للجمهورية السورية في القاهرة وكان وزيراً غير مرة لوزارات المعرف والعدل والمالية. وبقي رئيساً لمجمع اللغة العربية في دمشق منذ سنة 1959 حتى وفاته في سنة 1968.
لقد حل الشهابي في مجمع دمشق في الكرسي الذي خلا بوفاة الأستاذ محمد كرد علي.
وأما في مجمع القاهرة فقد نال مكانه فيه بترشيح من الأستاذين أحمد أمين ومنصور فهمي اللذين قالا:"إن الشهابي وضع معجماً علمياً في الألفاظ الزراعية والنباتية وإن له بحوثاً تاريخية وأدبية وعلمية شتى، وإن له ولعاً بلغة العرب". ولقد أبلى الأمير الشهابي البلاء الحسن –حسب رأي الدكتور خسارة- في كل من المجمعين السوري والمصري وامتلأت أكثر أعداد المجملة المجمعية فيهما بمقالاته ومحاضراته وآرائه ومن قطعت مقالاته وسكت صوته في مجمع دمشق إلا في السنوات التي شغلته فيها الإدارة أو الوزارة وبقي كذلك حتى وافته المنية سنة 1968 فكان في وصيته إهداء مكتبته إلى مجمع اللغة العربية بدمشق. يقول د. ممدوح خسارة: بدأت تلمذتي للشهابي منذ عهد الطلب والبحث في مسائل التعريب وقضاياه ولاسيما وضع المصطلح العلمي العربي الذي يعد الشهابي واحداً من أبرز منظريه وممارسيه في أيامنا.
وقد تبين للـ د. خسارة بعد طول نظر في آثاره ومؤلفاته أن هذا البعد العلمي اللغوي عند شهابي كان تعبيراً عن جانب آخر مهم في شخصيته وهو البعد القومي. وقد كان العمل اللغوي –دوماً- كفاحاً على الجبهة الثقافية للأمة، فكما رابط كثير من شبان الأمة ورجالها على الجبهة العسكرية لمقاومة الغزو والاحتلال، رابط كثير من علمائها ولغوييها على الجبهة الثقافية لمقاومة الغزو الفكري واللغوي. وكان التعريب الذي آمن به وعمل من أجله هو الرد العملي على التغريب الذي استهدف ثقافة الأمة ومعتقداتها. وتبين للأستاذ خسارة أيضاً أن هذا العلم العلمي اللغوي لم ينل حظه من البحث والدراسة، فلم يؤلف فيه كتاب ذو بال، وما كتب عنه لا يتعدى الأربعين صفحة، كانت في معظمها سيرة ذاتية موسعة يأخذ فيها لاحق عن سابق من دون إضافات لافتة.
وكان مما ترسخ في وجد د. خسارة منذ زمن أن ينهض لهذا العمل إذ يجمعه بالشهابي "لبانا القومية والمصطلحية اللذان غذّوانا أستاذاً وتلميذاً" ويخبرنا د.خسارة أنه نهج في دراسته للشهابي منهجاً استقرائياً تحليلياً، وجهد في أن يكون موضوعياً ما وسعه ذلك، فلم تحول العاطفة القومية التي تشده إليه ولا تلمذته له، ولا الهالة العلمية التي تحيط به من دون أن ينوه بما وجده إيجابياً عنده.
ينقل الكاتب خسارة عن الشهابي قوله:" كنت تلميذاً في اسطنبول سنة 1908 عندما دخلها جيش الاتحاد والترقي... وما كفّت الجرائد قط عن الإشادة بأمجاد طوران والطورانيين، وعن شتم العرب وعن الدعوة إلى تطهير اللسان التركي من الألفاظ العربية، وعن رفع أسماء الخلفاء الراشدين من المساجد واستبدال أسماء جنكيز خان وهولاكو وتيمور وأضرابهم بها. وهنا يتساءل المؤلف    : هل كان موقظ الشعور العربي عند الشهابي أمثال تلك المقالات التي كان يقرؤها في الجرائد التركية في يفاعته، حيث كان يدرس رفقة أخيه عارف في اسطنبول عامي 1907-1909 عندما غلبت النزعة القومية التركية على الدولة العثمانية الإسلامية؟ أم كان موقظها ما كان يقرؤه في فرنسة إبان دراسته فيها من سنة 1910 إلى سنة 1914 وملاحظته أن كثيراً من أمم العالم حققت وحدتها القومية في دولة كألمانيا وإيطاليا وأن مبدأ القوميات أصبح في أواخر القرن الثامن عشر قوة مهمة ومؤثرة في تاريخ العالم؟. ولعل مما أثار نوازعه العروبية القومية أن يرى إلى بعض مفكري الغرب وفلاسفته يعلي من شأن قومه وأمته ويدعي تفوقها على سائر العروق والأجناس، كالفيلسوف الألماني (فخته-1814) والكاتب الفرنسي (غوبينو-1862) ولا شك –حسب د. خسارة- في أن هذه وغيرها من العوامل التي كانت وراء هذا الشعور القومي الذي طبع أفكاره وشخصيته في كل حياته.
وإذا ما أردنا أن نتقرى أو نستقصي مفهومه للقومية العربية ولم هو منها بسبب، فإن كتابيه (القومية العربية، تاريخها وقوامها ومراميها) و(الاستعمار) بجزأيه، يجزئاننا عن التنقير في مظان أخرى، لأنه جمع فيهما آراءه فأوعى، ما دار في خلده وما جاء في مقالاته ومحاضراته على مدى نصف قرن.
على هذا النحو سار المؤلف د.ممدوح محمد خسارة للبحث والتنقيب في ذكرى وعطاء مجمعي قديم وعالم زراعي له إبداعاته في هذا المجال، وقدمه للأجيال الماثلة واللاحقة.