ما أحوجنا إلى تمرد "زوربا" وجنونه؟!.. بقلم: د. بسام الخالد

ما أحوجنا إلى تمرد "زوربا" وجنونه؟!.. بقلم: د. بسام الخالد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٢ أبريل ٢٠١٦

Bassamk3@gmail.com
ما من مرة أعيد فيها قراءة رواية "زوربا" للكاتب اليوناني المبدع "نيكوس كازانتزاكيس" إلا وتتملكني مشاعر التحليق في فضاءات مفتوحة من الفرح والحبور والانطلاق بلا قيود إلى عوالم أحلم باقتحامها!
يملؤك الإعجاب وأنت تقرأ هذه الرواية برهافة الحس التي يتمتع بها المؤلف، وبذلك العمق المعرفي الذي تمتلئ به روحه، وأيضاً بقدرته العجيبة على وصف الشخصيات بشكل عميق ومفصل.
ينقلنا الكاتب في هذه الرواية إلى جزيرة "كريت" في اليونان لنعيش فيها معه ومع صديقه الجديد "زوربا" في مغامرة فريدة، فبطل الرواية "زوربا" شخصية مميزة فعلاً تستحق أن يخلدها الكاتب في هذا العمل الأدبي الرائع.
"زوربا" هذا شخص محب للحياة يُقبل عليها بكل جوارحه ويعرف كيف يستمتع بها، يعيش كل يوم وكأنه آخر يوم له على هذه الأرض، يطلق لروحه العنان ويجعلها تعبر عنه بالرقص والصراخ وبكل ما يمكن أن يمليه عليه جنونه في تلك اللحظة، وهو بنفس الوقت يمتلك قدرة عظيمة على التخلي عن كل القيود والتحرر منها، إنه شخص جعل من فطرته دليلاً له في حياته والتي بنى على أساسها فلسفته الخاصة في هذه الحياة، والمدهش حقاً أن لديه من الحكمة ما هو أروع وأبسط وأصدق من حِكَم الفلاسفة رغم أنه رجل أمي ومدرسته الوحيدة هي الحياة وتجاربه فيها!
على لسان "زوربا" يورد الكاتب "نيكوس كازانتزاكيس" بعض الأقوال التي تصلح لأن تكون دليل حياة، نتعلم منه الكثير، فبطله يؤمن بنفسه ولا يثق إلا بها، إنه "وجودي" على طريقته، حين يقول:
-    كلا لا أؤمن بشيء بالمرة.. كم مرة يجب أن أكرر هذا.. فأنا لا أؤمن بأي شيء أو بأي شخص.. بل بـ "زوربا" وحده, ليس لأن "زوربا" أحسن من غيره, ولكن لأن "زوربا" هو الوحيد الذي يقع تحت سلطتي, والوحيد الذي أعرفه، أما الباقون فكلهم أشباح، فأنا أرى بهاتين العينين, وأسمع بهاتين الأذنين, وأهضم بهذه المعدة.
 الباقون أشباح.. عندما أموت, فسوف يموت كل شيء معي.. كل العالم "الزوربي" سوف يغوص في الأعماق!
وفي مقاطع أخرى يتحدث عن مفهوم الحرية والحياة والموت:
-    إذا أردنا الحصول على الحرية في هذا العالم القذر يجب أن نقوم ببعض الجرائم!
-    هناك ممران متساويان قد يؤديا إلى القمة نفسها, أن تعمل كأن الموت غير موجود, وأن تعمل متوقعاً الموت في أي لحظة.
-    إن حياتي قد ذهبت سدى، فليتني أستطيع أن أمحو بقطعة من القماش كل ما تعلمته وكل ما رأيته وسمعته.
-    إن الموت لا يهمني، فالحياة شمعة تطفئها لفحة هواء.. أما الشيخوخة فإنها عار وفضيحة ولهذا أبذل قصارى جهدي لأمنع الناس من الاعتقاد بأنني كبرت!
-     ماذا يمكن بناؤه فوق الأنقاض، لا أحد يستطيع أن يعرف ذلك على وجه اليقين؟!
-    ماذا تستطيعين أن تفعلي بي يا سماء.. كل ما تستطيعينه هو أن تقتليني.. اقتليني إذاً فلست أبالي.. لقد قلت لك ما أريد قوله.. ورقصت ما شئت أن أرقص!
في هذا الزمن الرديء الذي يطحننا بحروبه وـحضارته المزيفة ونفاقه وزيفه وفساده.. كم نحن بحاجة إلى تمرد "زوربا" وجنونه؟!