معركة التمثيل السياسي.. بقلم: مازن بلال

معركة التمثيل السياسي.. بقلم: مازن بلال

تحليل وآراء

الاثنين، ١١ أبريل ٢٠١٦

تشهد سورية تشكل صورة غير مسبوقة في مسألة التمثيل السياسي، فإذا كانت الانتخابات التشريعية ظاهرة اعتاد عليها المجتمع، فإن التنافس للوصول إلى جنيف يبدو ضمن هامش آخر لا يتم تظهيره إعلامياً، والتزامن ما بين الانتخابات والجولة القادمة للتفاوض يعطي انطباعاً بأن سورية أمام استحقاق مختلف في مسألة التمثيل السياسي، وأنها تخضع لاختبار حقيقي يرتبط بالتصورات القادمة لمستقبلها عموماً، ولشكل العلاقات السياسية الداخلية التي تحكمها، ورغم أن انتخابات مجلس الشعب تسير بشكل اعتيادي، فإن المقلب الآخر المرتبط بتحديد مراحل نهاية الأزمة يتصاعد بشكل مختلف تماماً.
 عملياً تخوض معظم قوى المعارضة داخل سورية معركة التواجد على خارطة حل الأزمة، فهي لا تبحث عن شرعية على المساحة الدولية؛ بل تريد تأسيس موقع مختلف ضمن علاقات جديدة باتجاهين:
-    الأول وفق مستوى مواجهة استحقاق عملي حقيقي يدفعها نحو إيجاد برنامج واقعي مقبل، فالمخاطر لا تكمن في حالة الشرذمة التي طالتها بسبب طبيعة الأزمة السورية، وعدم وجود بيئة سياسية متكاملة منذ أكثر من أربعة عقود، إنما في نوعية المرحلة القادمة التي ربما تضيف تشكيلات سياسية ذات بعد داخل وخارجي، فأي حل سياسي سيحمل معه نشطاء، وربما أحزاباً، ظهرت في الخارج وتجسد طبيعة الصراع الدولي والإقليمي على سورية.
 إن عدم قدرة التشكيلات السياسية الداخلية في خلق تصورات بشأن مستقبلها ومستقبل سورية سيؤدي لمأزق أعمق، لأنها ستواجه تشكيلات ستحاول استيعابها وتعمل على احتواء شرائح واسعة من المجتمع السوري، وهي تشكيلات ربما تكون أكثر ديناميكية في تحركها نتيجة استنادها لسياسات إقليمية ودولية، وفي المقابل فإن برامجها لن تلحظ تكرس بنية سياسية متينة، بل ستتحرك لإعادة رسم الخارطة السياسية من جديد لتنسجم مع "رؤيتها المرنة" لدولة فيها من المحاصصة السياسية أكثر مما تحمل من المنافسة.
-    الاتجاه الثاني ينطلق من طبيعة مسار جنيف، فتثبيت تمثيل القوى السياسية في الداخل على خارطة جنيف؛ لا يعني دوراً في الحل بل في الوجود على مساحة الصراع الدولي على سورية والمنطقة كلها، فالمهمة الأساسية ربما لا تكون بعيداً عن خارطة الطريق المطروحة في فيينا 2، إلا أنها في تأثير من داخل هذه الخارطة لجهة عدم تفتيت المكون السوري بالكامل.
 النموذج الدولي لحل الأزمات يطرح بكل تفاصيله على ما يحدث في سورية، وفي جنيف يتم تأطير هذا النموذج على أساس من الشرعية الدولية، وهذا الموضوع يعني احتمال دخول سورية ضمن "وصاية دولية"، كما حدث في دول البلقان على سبيل المثال، ومهمة المعارضة والسلطة في أن الخروج من هذه الدائرة والاستناد إلى مبدأ السيادة، فهل هذا الأمر يمكن تحقيقه في ظل التمثيل الموجود في جنيف؟
 ما تحتاجه القوى السياسية إيجاد فصل استراتيجي بين مطالبها الديمقراطية والفخ الموجود في جنيف، فالأجنحة السياسية ليست مختلفة في مسائل الذهاب نحو مرحلة سياسية تؤمن مستوى أعلى من الديمقراطية، فالتناقض الصارخ هو في الرؤية لموقع سورية ولاستراتيجيتها المستقبلية، فهناك استقطاب حاد من القوى الإقليمية والدولية، وهناك أيضاً ضرورة للتعامل مع هذا الواقع الدولية بعلاقات سياسية مختلفة، سواء على مستوى الطيف المعارض، أو حتى بين القوى السياسية والسلطة.
 في جولة جنيف القادمة هناك امتحان للبنية السياسية السورية؛ ليس على مستوى إنجاز توافقات نهائية بينها، إنما في قدرتها على بناء علاقات سياسية مختلفة تنظر إلى سورية كجغرافية يحدث عليها اشتباك إقليمي ودول، والمهمة "الديمقراطية" الأولى للقوى السياسية هي القدرة على بناء علاقات فيما بينها قادرة على التعامل مع حساسية ما يجري كي لا تضيع السيادة وسط التناحر على مسألة التمثيل في جنيف.