الضفة للأردن وغزة لمصر..بقلم: هاني المصري

الضفة للأردن وغزة لمصر..بقلم: هاني المصري

تحليل وآراء

الخميس، ٧ أبريل ٢٠١٦

في ظل فقدان أي أفق سياسي وقيام إسرائيل بإحياء خطة «إسرائيل الكبرى»، واتجاهها أكثر نحو اليمين الأكثر تطرفًا، ورفض أي تسوية مع الفلسطينيين؛ تطفو على السطح أحيانًا، وتبقى تحت الماء غالبًا، أفكار تدعو إلى أن الحل الممكن: عودة الضفة إلى الأردن وغزة إلى مصر.
وإذا كانت مثل هذه الأفكار لا تجد من يروّج لها في العلن، إلا أن البروفيسور سري نسيبة ألقى قنبلة في مقابلة صحافية أجراها مؤخرًا، قال فيها «إنه برغم معارضته الخيار الأردني سابقًا، إلا أنه الآن يرى فيه الخيار الوحيد المتاح، علماً أن الأردن غير قادر على تحمّل «عبئنا»، لا سيما في ظل ما يشهده من تشنجات أمنية»، وتخلّى بذلك عن «الوثيقة» التي اتفق عليها مع عامي أيالون، أحد قادة «حزب العمل» والقادة الأمنيين الإسرائيليين السابقين، قبل 14 عامًا، التي كانت في ذلك الوقت، برغم ما انطوت عليه من تنازلات جوهرية مجانية، خشبة الإنقاذ.
ولم يكلّف نسيبة نفسه عناء تقديم تبرير كافٍ لهذا الموقف، واكتفى بإعرابه عن «عدم وجود قيادة فلسطينية، وعدم رضاه عما تقوم به السلطة التي أصبحت شعارًا فقط، إضافة إلى عدم وجود دعم للقدس، وعدم وجود جيش لتحرير فلسطين أو نصف فلسطين، فضلاً عن حالة الضعف في ظل ما يجري في الدول العربية من صراعات».
تأسيسًا على ذلك، لا خيار إلا الخيار الأردني إذا وافق الأردن على ذلك، وهو محلّ شك بالتأكيد. هو ليس خيار إذاً، بل تعبير عن يأس مطبق، وهو ما يدل على أن النخبة الفلسطينية تقادمت ولم تعد قادرة على التجديد والتطوير وفتح الطريق أمام خيارات وبدائل قادرة على إنقاذ القضية الفلسطينية من المأزق الشامل الذي تمر فيه.
وإذا كان صحيحًا قوله بعدم وجود قيادة فلسطينية، فالبحث يجب أن يدور حول أسباب حصول ذلك، وكيفية إيجاد هذه القيادة. إلا إذا كان نسيبة يعتقد أن غيابها قدر رباني لا رادّ له، متجاهلًا أن غياب القيادة لا ينفي وجود شعب حيّ، كما يثبت حاليًا من خلال الصمود والمقاومة والمقاطعة وأشكال النضال الجديدة، والنهوض الثقافي المترامي الأطراف في مختلف المجالات.
لم يفسر لنا نسيبة ما إذا كانت إسرائيل، الدولة الاستيطانية العنصرية التي دمّرت ما سُمّي «عملية السلام» وتقضي على خيار الدولة الفلسطينية، ستوافق أو يمكن أن توافق على الخيار الأردني، أم أنه يريد عقد الزفاف من دون العريس!
علماً أن الإجابة عن هذا السؤال نجدها بالعودة قليلًا إلى الوراء. لنتذكّر ما الذي دفع الملك حسين إلى خطوة فك الارتباط عن الضفة الغربية في العام 1988، برغم أنها كانت في نطاق مملكته قبل احتلالها في حرب 1967، وحاول جاهدًا منذ ذلك الحين بكل ما يملك من خبرات وعلاقات حسنة مع الولايات المتحدة وغيرها أن يستعيد الضفة سلمًا وعبر بعثه رسائل الاعتدال، إلى حد أن الأردن لم يشارك في حرب أكتوبر 1973. إلا أن إسرائيل قابلت محاولاته وطلباته بأذن من طين وأخرى من عجين، فرفضت حتى إجراء فك ارتباط على الحدود الأردنية، ولو بالانسحاب كيلومتر واحد أسوة بما فعلت على الحدود المصرية والسورية بعد «حرب أكتوبر»، الأمر الذي دفع الملك الهاشمي بعد ذلك إلى اتخاذ خطوة فك الارتباط والاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي وحيد للفلسطينيين.
ومما دفع الملك إلى هذه الخطوة أيضاً أنه أدرك غياب «الخيار الأردني» في حسابات إسرائيل، وراودت أوساطًا إسرائيلية واسعة فكرةُ فرض حل على حساب الأردن ضمن خطة «الوطن البديل». ولكن عندما رسّخت الانتفاضة الشعبية الأولى الهوية الوطنية الفلسطينية ومكانة «منظمة التحرير» بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني التي ترسّمت عربيًا في قمة الرباط العربية العام 1974، كان لا مفرّ من قيام الملك الأردني على مضض بخطوته التاريخية.
فالأردن أدرك أن إسرائيل ليست بوارد الانسحاب من الضفة. وقد استحال السؤال كالتالي: لماذا استمرار التنافس والصراع مع المنظمة على جلد الدب قبل صيده؟ وهذا الاستنتاج الذي توصّل إليه الملك عبّر عنه في مناسبات وبطرق مختلفة، منها ما قاله لمحمد حسنين هيكل حينما التقاه في أحد مطاعم لندن بعد توقيع «اتفاق أوسلو»، «لو أرادت إسرائيل أن تعطي شيئًا لأحد لأعطت للأردن، وبما أنها لم تفعل، فإنها لن تعطي لأي كان، وخصوصًا المنظمة».
وقد أثبتت التطورات اللاحقة منذ توقيع «اتفاق أوسلو» حتى الآن صحة تقدير الملك، الذي لو استمرّ في منافسته المنظمة على تمثيل الفلسطينيين، لتحمل لاحقًا المسؤولية عن النتائج الكارثية التي يتحمّلها الآن الممثل الشرعي الوحيد.
الثابت اليوم هو أن الأردن أصبح من أشد المدافعين عن قيام الدولة الفلسطينية، لأن قيامها خط دفاع أول عن المملكة في وجه الأطماع التوسعية الصهيونية. كما أن التوجه الأردني تعززه حساسية العلاقات بين الأردنيين والأردنيين من أصل فلسطيني، وهي التي تشكل لغماً قابلاً للانفجار في أي لحظة إذا تم الدوس عليه.
وما ينطبق على الضفة ينطبق بصورة أخرى مختلفة على غزة. فإسرائيل أرادت بسبب الكثافة السكانية الأعلى في العالم ومقاومة أهل القطاع، أن ترمي غزة في حضن مصر التي ردّت برفض هذه الخطة، وهو ما جعل من أهل غزة ضحية لهذه السياسات. فلو أرادت مصر أن تعيد الإدارة المصرية للقطاع لفعلت ذلك، لا سيما بعد إعادة انتشار القوات الإسرائيلية المحتلة وخروجها من قلب القطاع واكتفائها بمحاصرته. غير أن سلوكها مختلف منذ تطبيق خطة «فك الارتباط» الإسرائيلية حتى الآن.
تأسيسًا على ما سبق، إذا كانت إسرائيل في غير وارد الانسحاب من الضفة، فلماذا يريد نسيبة رمي عشرات السنين من التضحيات والكفاح والمعاناة التي تبلورت فيها الشخصية الوطنية الفلسطينية، على مذبح عدم رضاه عن القيادة الفلسطينية الحالية؟
ولماذا يريد إذكاء التنافس الأردني الفلسطيني مجددًا على الضفة الغربية؟ فإسرائيل تريد الأرض وتنتظر الفرصة المناسبة للتخلص من السكان، وهذا يظهر من خلال استمرار تنفيذ مخطط الفصل العنصري والتهجير في الأجندة الصهيونية.
لا يمكن قبول قيام نَفَر من النخبة السياسية بتحديد مواقفها على أساس المناكفة، ردًا على عدم التفات «القيادة» إليهم، أو بحجة عدم وجود قيادة، فذلك يستدعي توفير شروط إيجادها، وليس نبش القبور الذي لن يؤدي إلى إحياء العظام وهي رميم.
إذا كان صحيحاً القول بعدم وجود قيادة فلسطينية، فالبحث يجب أن يدور حول أسباب حصول ذلك وكيفية إيجاد هذه القيادة