الصراع على الشباب .. ( 1_2)..بقلم: ميساء نعامة

الصراع على الشباب .. ( 1_2)..بقلم: ميساء نعامة

تحليل وآراء

السبت، ٢ أبريل ٢٠١٦

مع بدايات فترة سبعينيات القرن الماضي، اتخذت الدولة السورية مسارات عديدة لبناء الدولة السورية على أسس متينة في جميع مجالات الحياة السورية.
فدارت عجلة الصناعة وازدهرت التجارة الخارجية وانتعشت الخدمات الأساسية والمشاريع التنموية الضخمة التي وفرت وصول الكهرباء الى أبعد القرى في الريف السوري، وتم بناء أهم مشروع لمياه الشرب في دمشق وغيرها من المحافظات السورية لتصبح سورية أول دولة في منطقة الشرق الأوسط تقدم مياه الشرب الى جميع المنازل.
التخطيط لبناء دولة تحقق الاكتفاء الذاتي أمر بغاية الأهمية الاستراتيجية لاستمرار الدول، وهو العامل الأساسي لبقاء الدولة السورية بكامل مؤسساتها مستمرة رغم مايزيد على خمس سنوات من حرب جائرة وحصار مرير ومضنٍ واستهلاك أكبر بكثير من الإنتاج.
إلا أن التخطيط لبناء جيل قادر على حماية الوطن بالعلم والعمل، كان الهدف والغاية، فقد عمدت الدولة السورية، في تلك المرحلة، إلى توسيع شبكة الأبنية المدرسية في كل حي وشارع وقرية، والاهتمام ببناء الشخصية للمواطن السوري من لحظة احتضانه في المدارس الابتدائية وصولاًإلى الجامعات، فقد أحدثت منظمات تهتم بتنمية القدرات الإبداعية عند جيل السبعينيات، منها منظمة الطلائع واتحاد الشبيبة واتحاد الطلبة.
من باب العرفان بالجميل أستذكر تلك المرحلة التي أسست لبناء شخصية جيل كامل، ولحسن الحظ كنت وغيري من أبناء جيلي شهود عيان على فترة الازدهار التي جعلت من الشباب عماد الدولة السورية بامتياز.
الا أن تلك المنظمات ترهلت في فترة التسعينيات ولم تعد قادرة على مواكبة التطور المتسارع الذي بشر بولادة عالم الرقميات بكل ما يحمل من انفلات لزمام الأمور وبدأت العولمة الأمريكية تأخذ مسارها في تغيير البنية المعرفية والأخلاقية والعقائدية وتمييع الانتماء الأيديولوجي.
من هنا بدأ الصراع على الشباب العربي، وسورية كانت الأخطر بالنسبة للفكر الصهيوني الذي كان يعلم حق المعرفة أهمية الشباب في تماسك المجتمع أو انحلاله.
الاشتغال على الشباب السوري كان الهاجس الذي يقض مضاجع حكماء صهيون، وتفكيك المجتمع السوري من الداخل هو الهدف لتفتيت سورية وتحويلها الى دولة فاشلة تهيئ لعودة الاستعمار القديم الجديد.
تمت دراسة واقع الشباب السوري على مهل ومن دون إثارة أي نوع من أنواع الريبة والشك، والفراغ هو الشرك الذي نصب بسهولة لإيقاع الفريسة في براثن التطرف الديني عبر قنوات باسم الدين انتشرت كالنار في الهشيم، أو عبر قنوات إباحية تتيح تفريغ الكبت الجنسي الذي يعتبر الحديث فيه من المحرمات لتصبح تلك القنوات الملاذ لشريحة كبيرة من الشباب.
المجتمع السوري ليس بتلك السوداوية وإلا فما استطاعت سورية الصمود ما يزيد على خمس سنوات في وجه حرب همجية، ولولا وجود شريحة كبيرة من الشباب الواعي لقضايا وطنه لما استمرت المبادرات الشبابية، ولما وجدنا اندفاع شريحة كبيرة للالتحاق بالجيش العربي السوري والدفاع عن الوطن والاستشهاد من أجله.
إذاً كيف نصنف الشباب في هذه المرحلة؟ وما الحلول الناجعة؟ وكيف يمكن إيجاد البدائل لمنظمات كانت ملائمة لمرحلة زمنية لكنها اليوم عاجزة على استيعاب الشباب وتنمية قدراتهم الإبداعية؟ وكيف نوائم بين مدخلات التعليم وحاجات السوق لمخرجاته؟ بل كيف نستطيع دمج التعليم مع التعلم؟ وكيف نحول الشباب من طاقات سلبية ومهدورة إلى طاقات إيجابية وموظفة في مشاريع تنموية حقيقية غير وهمية؟
قبل أن نجيب على جملة الأسئلة آنفة الذكر علينا أن نواجه حقيقة واضحة أن الشباب اليوم يفكرون بمبدأ المصالح، ومن يحاضر عليهم بالمبادئ وحب الوطن، يقولوا في سرهم وعلنهم " حاج تبيعنا وطنيات بدنا نشتغل لناكل".
أما كيف نقنع الشباب بأن الوطن هو الأساس وأن المسألة تبدأ بالعطاء ولاتنتهي بقطف الثمار بل الاستمرار بالعطاء؟ نتركها لمقال قادم لعل أحد أغنياء الحرب يكفر عن استغلاله للشعب ويمول مشروع شبابي رائد نطرحه على طاولة البحث والمناقشة، لأن الدولة استنفدت قدراتها في الحرب وعلى أصحاب الأموال الطائلة إبداء حسن النية في استثمار الشباب وتصويب قدراتهم وتنمية طاقاتهم، لأن الشباب أصبحوا أضرب من السياسيين يقولون وينتقدون وهم غير قادرين على تقديم الأفضل.
البقية تأتي.