لا فائدة!!.. بقلم: إيفلين المصطفى

لا فائدة!!.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٧ مارس ٢٠١٦

Evlism86@gmail.com
كلما شعر المواطن السوري أن هناك مكاسب في أرض الميدان وبأن الوضع الأمني يحرز تحسناً ولو طفيفاً في بعض المناطق وبعض الجبهات، يواجه موجة جديدة معاكسة لكل هذا الشعور تصيبه بالإحباط واليأس والشك العميق في جدية المعالجات الحكومية للوضع الاقتصادي والمعيشي والخدمي.
ويبدو أن مفاوضات جنيف والانتخابات البرلمانية لم تعد تستحوذ على أولوية اهتمامات الشارع السوري، كما يحاول الإعلام المحلي أن يظهرها للعالم، عبر تركيزه لكل مستجدات الوضع السياسي سواء على صعيد المفاوضات الدولية أو الشؤون السياسية الداخلية.
على مر السنوات الخمس السابقة من الحرب ردد كثير من المسؤولين بأن المواطن السوري يجب أن يكون شريكاً في العملية السياسية، ولكن ماذا عن الوضع الاقتصادي الذي تحول بفضل القائمين إلى مجرد تصريحات وشعارات خلبية يطلقها أي مسؤول اقتصادي لذر الرماد في العيون، في حين أن الواقع الرقمي يشكك بهذه التصريحات ليس مجرد تشكيك بل هي أرقام صارخة فاضحة تبين كذب ونفاق المسؤولين، الذين اعتادوا إخفاء الوقائع الاقتصادية عبر وسائل الإعلام واكتفوا بسين التسويف والمستقبل "سنبحث، سنعالج، سننظر...الخ".
هل يدرك الفريق الاقتصادي أن سعر صرف الدولار بلغ الـ 500 ليرة، وبأن سعر غرام الذهب عيار 21 فيراطاً وصل إلى ما يعادل 17300 ليرة بالرغم من انخفاض سعر الأونصة في السوق العالمية لأدنى مستوى لها في أسبوع حيث بلغ سعرها 1235 دولاراً، وبأن أسعار السلع تضاعفت عشرات الأضعاف من دون رقيب أو حسيب، والسبب في كل هذه الفوضى هو الأخضر"الدولار" وليس الإبراهيمي، ورغم اجتهادات البنك المركزي لتحليل الأسباب وبأن السبب هم المضاربون الذين استغلوا خبر خروج القوات الجوية الروسية وقاموا بزعزعة السوق، السؤال إذا كانت الأسعار التي يتم تداولها أسعار وهمية هل يمكن للحاكم أن يفسر لنا لماذا يُسمح لجمعية الصاغة أن تسعر الذهب على سعر دولار قريب لسعره فيما يسمى السوق السوداء، حيث يتبين من معادلة حساب سعر الذهب أن الجمعية سعرت ذهبها على سعر صرف دولار "498 ليرة".
ولأن عالم الرياضيات له حساباته القادرة على تفنيد ودحض كل التصريحات المنمقة، نبين أن مؤشر أم مصطفى الاقتصادي الذي كنا قدمناه عبر مجلة الأزمنة لقياس القدرة الشرائية لليرة السورية منذ عام 2010، غير مساره باتجاه الأعلى حيث تجاوز الحد الأدنى للأجور 9800 ليرة، وتضاعف ستة أضعاف خلال ست سنوات إلى ما يعادل 65000 ليرة سورية وهو قيمة المبلغ الذي تحتاجه أسرة مكونة من خمسة أشخاص لشراء احتياجاتهم الأساسية من غذاء لمدة شهر مع استثناء أسعار اللباس والطبابة والفواتير والأجارات، ما يعني أن المعادلة الاقتصادية الحكومية قائمة على رفع أسعار كل شيء باستثناء رفع الأجور.
وإذا كان بعض المسؤولين يعانون من الحديث بالليرة السورية بكونهم اعتادوا على التعامل بالعملات الأجنبية، نبين لهم أن الحد الأدنى للأجور كان عام 2010 يعادل 10000 ليرة أي ما يعادل 200 دولار على سعر صرف 50 ليرة حينها، أما حالياً فنجد أن الحد الأدنى للأجور عام 2016 ما يقارب 20000 ألف ليرة للموظف العادي أي ما يعادل 44 دولاراً على سعر صرف 450 ليرة للدولار... ما يعني أن الأجور انخفضت قيمتها وتآكلت قدرتها بمعنى أوضح وأكثر دقة أصبح المواطن بحاجة لما يعادل 144 دولاراً فقط لاقتناء السلع التي كان قادراً على اقتنائها عام 2010.
إن ما نشهده من مسار للوضع الاقتصادي المعيشي للمواطن السوري يؤكد لنا أنه ليس مستبعداً أن ينفجر العنف الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي مرّة أخرى، والسبب أن الفريق الاقتصادي بسياساته الاقتصادية يدور في حلقةٍ مفرغة، من دون الوصول إلى نتيجة ذات فائدة، والتي يمكن البدء منها لمواجهة هذه الأوضاع الاقتصادية السيئة.
 إلى الآن، لا نجد تصوراً رسمياً إبداعياً للتعامل مع الوضع الاقتصادي بطريقة صحيحة، وهذه الأوضاع مؤشر خطر على انفجار قنبلة اقتصادية تؤدي إلى تزايد العنف ومظاهر السرقة والقتل والخطف بحثاً عن المال والطعام.
ربما ما سمعته من تزايد حالات انحلال أخلاقي نتيجة الفقر والجوع دفعني إلى قراءة نظرية النوافذ المكسورة للبروفيسور الأميركي جورج كيلينج، وصاحبه جيمس ويلسون والتي برزت في العلوم الاجتماعية بصورة واضحة في عام 1982، أعتقد أنها من النظريات المهمة لترسيخ حكم القانون والنظام، والتغلب على الفوضى والتمرد، تقوم نظرية “النوافذ المكسورة” على أن وجود بعض النوافذ المكسورة في المنزل أو البناية، من دون المسارعة إلى إصلاحها في وقت قصير، سيؤدي إلى تشجيع المخربين واللصوص على اقتحام المنزل أو البناية، وسرقتهما وتخريبهما، فيتحولان مع مرور الوقت إلى مسرح للاقتتال والجرائم والفوضى وغياب القانون وهكذا على صعيد الدول والمجتمعات.
 فالصمت على جرائم صغيرة، وعدم معالجة الاختلالات حتى لو كانت صغيرة أيضاً، سيؤديان، مع مرور الوقت، إلى انتشارها، وسيادة الفوضى، وازدهار الجريمة، والعكس صحيح؛ فلو أن الفريق الاقتصادي سارع إلى التعامل بعدالة مع التجاوزات والمخالفين والفاسدين من كبار المسؤولين وناهبي ثروات البلد سابقاً لما وصلنا إلى هذه الفوضى الاقتصادية المعيبة، لكن يبدو أن السيف سبق العذل ولا يوجد فائدة من أي تدخل لأنها لن تتمكن من وقف النزيف الاقتصادي للمواطن السوري.