مفاجأة بوتين..بقلم: باسمة حامد

مفاجأة بوتين..بقلم: باسمة حامد

تحليل وآراء

الخميس، ١٧ مارس ٢٠١٦

لا شك أن مشهد الحضور الروسي في سورية كان استثنائياً ومفصلياً في التاريخ الحديث، فالعالم لم يعتد دخول وخروج قوات أجنبية إلى بلدان المنطقة إلا ليحتلها وينهب ثروتها ويستنزف قدراتها كما جرى في حقبة الاحتلال العثماني والفرنسي والإنكليزي والأميركي و«الإسرائيلي»!!
ولذلك أثار قرار الرئيس الروسي «المفاجئ والدراماتيكي» بشأن سحب معظم القوات الروسية من سورية الكثير من الدهشة والاستغراب في الأوساط الدولية، واللافت في هذا السياق أن مفاجأة بوتين لم تخل من الطرافة، فالبعض هلّل للخطوة على أساس أنها: «ستؤدي لإسقاط النظام السوري في القريب العاجل»، والبعض الآخر تحدث عنها كنتيجة للجهود المبذولة بين موسكو وطهران «لردم هوة الخلاف بينهما بعد تقلص النفوذ الإيراني»، وبين هذا وذاك، ثمة طرف ثالث كان خياله أوسع فحلل أسبابها واستنتج بأن «بوتين تخلى عن حليفه الأسد وهرب من سورية خوفاً من صواريخ المعارضة»!!
وفي الحقيقة من الصعب على العقلية الاستعمارية استيعاب منطق الالتزام لدى الروس الطرف الأكثر فهماً لظروف وطبيعة المنطقة العربية، فحالة الحضور الروسي في سورية تختلف عن حالة الغزو الأميركي للعراق، إذ إن الأولى تؤسس للأمن والاستقرار وتحافظ على كيان الدولة ومؤسساتها وتثبت سلطاتها وفق القوانين الدولية والمبادرات الدبلوماسية، في حين أنتجت الثانية الفوضى الهدامة والتطرف والإرهاب وخلقت الدمار والخراب وأزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة في المجتمع العراقي.
والقوات الروسية لم تكن يوماً قوات «احتلال» كما يصفها أدوات واشنطن والارتياح الشعبي لوجودها يؤكد هذا الأمر، وهي بدأت عملها منذ الثلاثين من أيلول الماضي بالاتفاق مع الحكومة السورية الشرعية وفق مهمة محددة لهزيمة الإرهاب على خلفية انتشاره المقلق وفشل تحالف واشنطن الدولي بالحد من خطره.
وقد اقتضى منطق الالتزام الروسي – واستباقاً لجنيف3- سحب الجزء الأكبر من القوات العسكرية بعد أن حققت «أهدافها بدرجة كبيرة» وهذا ما حصل فعلاً كدلالة على جدية موسكو بالنسبة للعملية السياسية وكبادرة حسن نية لترسيخ المناخ الإيجابي وإتاحة فرص أفضل أمام الحل السياسي.. وبكل الأحوال من الممكن عودة تلك القوات إذا اقتضت الضرورة.
إلا أن تنفيذ خطوة الانسحاب عملياً يكذّب الاتهامات لروسيا بشأن قصفها المدنيين و«المعارضة المعتدلة»، ويؤكد وجود تنسيق على أعلى المستويات بين دمشق وموسكو ويضع الجميع أمام الاستحقاق الأهم محاربة الإرهاب، وينفي في الوقت نفسه وجود خلاف روسي سوري بشأن مصير الرئيس الأسد «فالمسألة انفصال عن الواقع» والعلاقات الروسية السورية علاقات إستراتيجية وليست آنية كما وصفها دبلوماسيون روس.
وبقراءة الخطوة الروسية لا بد من ملاحظة أنها تأتي في ظل جملة من العوامل الإيجابية كالتمسك الدولي بإنجاح (الهدنة) الحالية وإنهاء «الأزمة» بالطرق السلمية، واتساع رقعة المصالحات الوطنية وانخفاض مستوى (العنف) وتمكّن الجيش العربي السوري من الإمساك بزمام المبادرة الميدانية ونجاحه باستقطاب أعداد كبيرة من المسلحين السوريين.
لكن من زاوية أعمق، وبصرف النظر عمّا هو ظاهر للعيان من معطيات ومؤشرات تصب في خانة إنجاح الحل أو إنجاز التسوية، قد يكون القرار مقدمة لترتيبات أخرى تبرز صورة من صور النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، وتعكس التوازن القائم بين الروس والأميركيين، ويتم بموجبها إلزام الأتراك ضبط الحدود مع سورية والحد من الدعم السعودي للمسلحين في إطار الحاجة الدولية للدور السوري الفاعل والمهم في مسألة محاربة الإرهاب.