فاعتبروا.. بقلم: د.عبد الرزاق المؤنس

فاعتبروا.. بقلم: د.عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ٩ مارس ٢٠١٦

ألمانيا التي قسمها العالم قسراً فرضت احترامها بعد الحرب من جديد على الناس وأعادت وحدتها وهدمت جدار برلين، وبلادنا التي كانت موحدة في بداية القرن العشرين أتى رجلان من أوروبا أحدهما إنكليزي والآخر فرنسي (سايكس وبيكو) وقسما البلاد العربية والإسلامية بالقلم والمسطرة، ووزعاها كما توزع اليوم قطعة الحلوى وما خطّاه بالقلم الرصاص على خريطتيهما صار عندنا مُنزلاً من السماء لا يجوز تغييره، وكل يوم نبني جداراً جديداً ليفصلنا مثل يمن جنوبي ويمن شمالي؛ سودان جنوبي وسودان شمالي؛ فلسطين غزة وفلسطين الضفة الغربية و.. الخ. مع الأسف لم يبقَ إلا أوهامنا العزيزة علينا؛ علماً أن الأوهام لن تتحول  بفعل السحر إلى حقائق..؛ إذاً لابد من بداية أولاً بتفهم أوضاعنا وأحوالنا وخصوصاً التربوية والدينية والإعلامية والاجتماعية ثم السياسية ثم لنقدر موقفنا بعد الاعتراف باتخاذ أرباب متفرقين لنا من دون الله داخلياً ونفسياً وخارجياً ولأن تكون لنا القوة للاعتراف بأخطائنا إن كنا نريد أن ندخل إلى عالم الألف الثالثة للميلاد حضارياً لا زمنياً بعقلية علمية جديدة قادرة على العمل واللحاق بركب التقدمية الحضارية اللائقة بنا نحن- أمة- (كنتم خير أمة أخرجت للناس) لننهض من نومنا المخمور بشتى الأهواء ولنخرج من كهفنا ولنبني بأيدينا حصراً مستقبلنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا وإلا فسوف نزول بالتدريج من الأرض والتاريخ كما توعد الله بقوله: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) 54 المائدة. وكما قال الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) 11 الرعد.
إذاً من واجب المفكر الإسلامي إظهار العيوب مع إظهار الطريق المطلوب تنفيذه من الجميع؛ أما الدعوة العامة للبكاء وللتضرعات من غير سلوك طرق الأسباب والاستطاعات المكلفين بها- فهذا لون جديد من التواكل والكسل لا يجدي نفعاً؛ فأشعار المراثي لن تعيد لنا الماضي الذي زال، نحن أبناء هذا اليوم ويجب أن نستخدم الوسائل العصرية كما جاء في القرآن: (وامر بالعرف)، وأن لا نعيش بعقلية السيف والترس، والناس على وشك أن ينسوا الأسلحة التقليدية من دبابات وطائرات ومدافع ورشاشات؛ ومن المهم خصوصاً أن نستنهض الشباب المثقف والشابات المثقفات وأن نعيد النظر في أفكارنا السابقة التي جاءت على أهوائها أزمات هذه الأمة وتخلفاتها وأن نبذل الجهود لتبديلها بالمتابعة والصبر إلى أفكار صحيحة منطقية تستند إلى علم استقرائي صحيح لتصبح مسلمات بدل مسلماته البالية التي لم تنفع إلا للوهم والظن، وإن الحامل الكفء في حيويته ومصابرته لهذه القدرات في العلم والمسؤولية هم فئة الشباب لقوة حيويتهم العقلية والنفسية خصوصاً، ولكن بعد أن نوفر لهم من يُحسن رعايتهم والائتمان على قدراتهم وتكليفاتهم، وأن يعلموا القرآن هو العنوان الإمام الأهم لثقافاتهم وأخلاقهم من حيث مفهوماته وتفسيراته الدنيوية والأخروية الحضارية الإنسانية العالمية مع الاستعانة الأساسية من بعده بالسنة النبوية الشريفة ومن التباطؤ والاسترخاء مع أزمان وأعراف ظهرت فيها تلك التفسيرات وأمثلتها ولا تتوافق اليوم مع التوسع الهائل المذهل الذي أضحى بحوراً من المستحدثات المستجدات التي لا يجوز أن نظلمها بتطويقها ضمن مفاهيم وتفسيرات وبحوث وأمثلة تنتسب للقرآن والسنة ثم نقول للناس على منظار من سبق، تمسكوا بالكتاب والسنة؟! ، فإن القرآن لم يأت لعصر ويتجمد فيما بعده بل هو ينابيع معرفة لجميع العالمين في جميع الأزمان والأحقاب والسنين، وإن مفتاحه الأهم الفهم للغة العربية بجميع أنواعها وفروعها؛ عندئذ نستطيع أن نقرأ صحيحاً عملاً وتطبيقاً: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) 9 الإسراء، ونستطيع أن نفهم على هداها إرادة الله تعالى وإرشاداته للإنسان بأن رضاه عز وجل وأن تحقيق مهمة الإنسانية إنما تقوم على العلم وأن عدوها في الدنيا والآخرة هو الجهل, وبأن الله تعالى لم يشأ أن يخرّج الإنسان إلى الحياة؛ إن كان في الجنة أو كان في الأرض إلا بعد أن يؤسس في تحقيق كرامته وفق (ولقد كرمنا بني آدم) على العلم تبعاً لأول إنسان -أبا البشر جميعاً- آدم عليه السلام عندما قال الله تعالى في حقه: (وعلم آدم الأسماء كلها...).
ب